أحمد السلامي

أحمد السلامي

تابعنى على

أهل تهامة..

Wednesday 17 January 2024 الساعة 06:09 pm

في ذاكرتي خانة مخصصة لتهامة مثل رف كتب عزيزة على القلب أو خزانة "اسطوانات وكاسيتات" لأصوات استثنائية وعازفين لا يمكنهم إلا أن يكونوا مميزين، يثيرون الشجون عندما يمنحون آلة العود المدى الذي لا يبلغه أحد غيرهم.

وتهامة على ما يظهر للعابر العجول من شعور بالسكينة التي تشع من أرضها ووجوه وأصوات أهلها، لا تنفي نزوع كل شخص فيها إلى الفردية وإلى الطابع الذي يتكون فيه وعي الشخص ويتكون مزاجه وذائقته بعيداً عن القطيع، ولي شواهد على أن كل مبدع من تهامة له مداره الخاص الذي يهيم فيه، ولا يمكن أن يلحظ هذا الامتياز إلا القادم من ثقافة التشابه حيث يمتد تسيد منطق العشيرة إلى تذوق الإبداع وتبني المقولات وشيوع النمط الواحد للفهم والتأويل.

استنتج هذا الثراء الفردي في الشخصية التهامية المبدعة عندما أتذكر أسماء ووجوه من عرفتهم واحداً واحداً. من أبي القصب الشلال إلى جابر علي أحمد إلى فؤاد المحنبي إلى عبدالله خادم العمري إلى محمد عبيد إلى عبدالاله القدسي، إلى أحمد سليمان إلى محمد الجبلي، إلى القطب المشترك بين جميع الأسماء، وأعني الشاعر والناقد والباحث علوان مهدي الجيلاني"، وأسماء أخرى تكونت في تهامة الممتدة روحياً وثقافياً على مساحة واسعة، يمكن أن أصفها بالمساحة الإيقاعية لتهامة، وحدودها تقاس من زاوية نفسية حيث يتردد صدى خصوصيتها مع الإنسان التهامي ويصل عمقها واختلاف تمردها على كل سائد إلى الجهات التي يتواجد فيها بفنه ومنطقه وفرديته ونزوعه إلى التأمل والبحث عن أرضية وسياق روحي لكل معنى ولكل نغمة ولكل كلمة.

الفردية التي أتحدث عنها في الشخصية التهامية هي التي صنعت أحمد فتحي بعالمه الموسيقي والثقافي الخاص والفريد، وهي التي أنجزت صرامة رؤى جابر علي أحمد وتحليلاته لألوان الغناء الشعبي في اليمن، وتحكمت بمنطق ريشته وألحانه.

وفردية الروح التهامية هي التي صقلت ذائقة فؤاد المحنبي ورسّخت سكينته وحبه للتصوف ومعرفته الواسعة بعناوين كتب وسير ذاتية لشخصيات استثنائية، (فؤاد عرّفني على مفكر وروائي يمني راحل كان يقود الأربطة الصوفية على طول الشريط الساحلي من حضرموت إلى عدن إلى زبيد).

وعندما يحضر اسم جابر علي أحمد كباحث موسيقي ستجد أن كل مهتم بالموسيقى في اليمن وعالمها قد تلقى درساً معرفياً من جابر الذي لا يتنازل عن الاستخدام المنهجي الدقيق للكلمات والتعريفات.

ويمكنني الكتابة بإسهاب عن كل اسم ممن ذكرتهم، لكن الأسماء لذاتها ليست موضوع الحديث هنا، بقدر ما تعنيني الإشارة إلى الروح التهامية ونزوعها نحو التميز والاختلاف وبناء الوعي الفردي تجاه البيئة المحلية والعالم.

هذا النهج المستنير والمديني بدأ ربما منذ أولئك الذين اشتهروا بالتصوف وشعره العابر للأقطار، مثل عبدالرحيم البرعي وجابر رزق، وصولا إلى العصر الحديث الذي جاء بمثقفين وشعراء وأكاديميين وباحثين وسياسيين لهم وزنهم وكينونتهم التي تجعل كل واحد منهم لا يشبه إلا نفسه، وإن تم احتسابهم على تيارات وأطياف سياسية عامة.

ولست من الجيل الذي يمكنه الحديث عن طبقة الرواد من أمثال يوسف الشحاري وعبدالباري طاهر ومحمود إبراهيم صغيري وإبراهيم صادق وغيرهم.

تلك تحية بدون مناسبة لتهامة الملهمة، التي تحتمي من ثقافة القطيع بثقافتها وتترقب الآتي الذي لا بد أن يشبه وعيها ومزاجها.

*من صفحة الكاتب على الفيسبوك