مشكلتنا في تعز أننا نهتم بالمظاهر والبهرجات على حساب واقع كارثي منهار نتمرغ فيه كل لحظة، تمامًا كمن تبخِّر بيتها، وبيتها أصلًا فوق مجاري طافحة نتنة.
مؤخرًا، عملوا مؤتمراً في تعز، تبدو عليه الفخامة والورود والكرفتات والعطور والبدل والماركات، وكأننا في باريس، ولسنا بمدينة نصفها ذباب وكلاب ضالة مسعورة، والنصف الآخر مجاري وحفر وأوبئة وجوع وعطش ومجاري انفجرت بلاطجة ومجرمين.
شاهدنا مشاهد لثرثرات جوفاء وضجيج طافح، بعيدة كل البعد عن واقعنا ومشكلاتنا الحقيقية ولا ينعكس على واقعنا التعزي لا بنماء ولا تنمية ولا معيشة ولا شيء اطلاقًا. مشاهد جعلتنا نحزن بمرارة على حياتنا في مدينة ليس للإنسان فيها قيمة، تُركت معاناته في مهب الوجع ورحنا نناقش أموراً لا دخل لها بهذا الغبن الذي ينخر في أرواحنا حتى كاد يقتلنا..
في تعز، جوعى وعطشى ومكسرين وجرحى ومشردين وعاطلين، وبيوت منهوبة، ومدارس مدججة بالمسلحين، وتعليم مضيع، وصحة ميتة، وأمن منهار، وقتلة يتناسلون كتناسل ذباب الصيف حولنا دون سم، ومدينة صارت منهارة تماماً، وفي المقابل يلهونا ويشغلوننا بأمور تبعدنا عن أوجاعنا الحقيقية.
نحتاج في تعز أن نقيم مؤتمرات لمآتم الجوع والعطش والظلام "ودبب الماء" المحمولة على أكتاف الأطفال والنساء المنهكات والمحني ظهورهن من هم هذه المدينة المأساة.
نحتاج ضوء وكهرباء وأمان ورغيف خبز يسكت عواء أمعاء الأطفال والرجال المتعبين يبحثون عن قوت يومهم حتى أكلهم القهر والكد والغبن في مدينة لا تعرف ماذا يعني قهر الرجال.
نحتاج لمن يساند الكادحين في نضالهم من أجل العيش. نحتاج تنمية، بناء، تطوير، مشاريع تنموية وخدمية، طرقات، أمن، أمان، وإيقاف تصاعد الأسعار المسعورة. نحتاج لرجال دولة صادقين وأوفياء يعملون لتعز وليسوا لصوصًا بكرفتات أنيقة يجلسون على مكاتب فارهة، وتجار حروب يتلذذون بأوجاع تعز وأهلها.
لكن، لا أدري كيف نطلب إنقاذ تعز من حضيضها، ومن أوصلها لهذا الحضيض هم أبناؤها، هم أول من ظلمها.
زمان، كان التعزيون يشكون بمرارة من مظلومية أنهم ليس لديهم مناصب عليا بالحكومة، ولما مسكوا السلطة، وتعز حولوها لخرابة.. فرئيس "السبعة" من تعز، وأغلب مسؤولي الحكومة من تعز وشمسان من تعز ووكلائه، "المليون وكيل" أيضًا من تعز، الإصلاح من تعز، وأحزاب تعز من تعز، "لا يوجد بيننا يهودي واحد".
لكن ما الذي فعلوه لتعز؟! لا شيء إلا الإهمال والضياع والدمار والفوضى والجوع والفاقة والعطش وأوصلوها للحضيض.
يا أصحاب تعز، يا سلطة تعز مسكتم الحكم، ويا ليتكم ما مسكتوه، خلال عشر سنوات شمتم شمات باليمن عامة، وبتعز خاصة، خربتوها وجلستوا على تلها، وها هي الآن مقلب قمامة كبير ومواطنوها المساكين ليسوا سوى ضحاياكم، ما معهم حتى شربة ماء، والروتي صار بمائة ريال، والأوضاع تزداد انهيارًا يومًا بعد آخر، وما من مغيث.
طفح الكيل.. تبًا لكم وتب.