أوروبا تتقارب تحسبًا لـ"غدر أميركي"
العالم - منذ 3 ساعات و 14 دقيقة
لندن، نيوزيمن:
تعيش أوروبا مرحلة غير مسبوقة من القلق الاستراتيجي، وسط مخاوف متزايدة من احتمال تراجع الولايات المتحدة عن التزاماتها الدفاعية تجاه حلفائها في القارة، في وقت تركّز فيه واشنطن على مواجهة الصين في آسيا، ما يدفع الأوروبيين إلى إعادة ترتيب موازين القوى وتعزيز قدراتهم الذاتية.
وكشفت صحيفة التلغراف البريطانية عن دعوات لتأسيس تعاون نووي بين بريطانيا وألمانيا، على غرار الشراكة النووية القائمة بين فرنسا وبريطانيا، في خطوة تعكس قلق العواصم الأوروبية من انشغال الولايات المتحدة بجبهات أخرى واحتمال تخفيف مظلتها الأمنية عن القارة.
ويأتي هذا التوجه في ظل تنسيق عسكري متزايد بين لندن وبرلين، يشمل طلعات جوية مشتركة فوق بحر البلطيق لمراقبة تحركات الغواصات الروسية، بعد رصد نشاط متزايد بالقرب من السواحل الفرنسية، في مشهد يعيد أجواء الحرب الباردة.
وفي خضم هذا التوتر، أجرت موسكو اختبارًا لصاروخ كروز جديد يعمل بالطاقة النووية يحمل اسم "بوريفيستنيك"، وصفه الرئيس فلاديمير بوتين بأنه "لا شبيه له في العالم"، مؤكّدًا أنه قادر على قطع أكثر من 14 ألف كيلومتر مع قدرة عالية على المناورة وتجاوز الدفاعات الجوية، ما أعاد سباق التسلح النووي إلى الواجهة الأوروبية.
بالتوازي، نقلت تقارير استخباراتية روسية أن فرنسا تستعد لإرسال قوة عسكرية قوامها نحو ألفي جندي إلى أوكرانيا لدعم كييف، مع تجهيز مستشفيات ميدانية لاستقبال الجرحى. وفي بريطانيا، دعا رئيس الوزراء كير ستارمر إلى زيادة تسليم الأسلحة بعيدة المدى إلى أوكرانيا، في تأكيد على استمرار الدعم الأوروبي رغم الإرهاق العسكري والاقتصادي.
وقال الخبير في الأمن الدولي وعضو مجلس الأمن القومي للحزب الحاكم في ألمانيا مصطفى العمار، في مقابلة مع برنامج "التاسعة" على قناة سكاي نيوز عربية، إن أوروبا مطالبة اليوم بالتعامل بذكاء وواقعية مع التحولات في النظام الدولي، عبر الإنفاق الجاد على الدفاع وتطوير استراتيجية مستقلة.
وأضاف أن الشراكات الدفاعية الأوروبية، سواء مع بريطانيا أو فرنسا، تخدم حلف الناتو عبر خلق دعم ذاتي داخل الحلف، بدلاً من الارتهان الكامل للمظلة الأميركية، مؤكدًا أن أوروبا بحاجة إلى بدائل استراتيجية تحسبًا لأي انسحاب أميركي محتمل من التزاماتها الدفاعية.
وأوضح العمار أن ألمانيا تستضيف صواريخ نووية أميركية من طراز B61، لكنها لا تملك صلاحية استخدامها دون موافقة واشنطن، لافتًا إلى أن امتلاك قدرات نووية مشتركة مع فرنسا وبريطانيا سيمنح القارة استقلالية أكبر في القرار الدفاعي، دون أن يكون ذلك بديلاً عن الناتو.
وشدّد على أن أوروبا باتت تدرك أن "السلام لا يتحقق بالحوار فقط، بل عبر تعزيز القدرات الدفاعية"، مضيفًا أن الحرب في أوكرانيا تمثل "دفاعًا عن أوروبا بأسرها"، محذرًا من أن سقوط كييف سيعني تمدد روسيا نحو مناطق أخرى في القارة.
ويرى العمار أن أوروبا تمرّ بمرحلة تحول استراتيجي كبرى، تستوجب بناء سياسة أمنية جديدة أكثر استقلالًا عن التغيرات السياسية في الولايات المتحدة، معتبرًا أن تصريحات زعيم المعارضة الألمانية فريدرش ميرتس الداعية إلى "التوقف عن الحنين الزائف" تعبّر عن التحول في العقل الأوروبي الذي بدأ يدرك ضرورة الاعتماد على الذات لضمان أمن القارة.
>
