دعم سعودي للحكومة.. إنقاذٌ مؤقت بانتظار إصلاحات جذرية
السياسية - منذ ساعتان و 13 دقيقة
أعلنت المملكة العربية السعودية، السبت، عن تقديم دعم اقتصادي للحكومة اليمنية بمبلغ 1.3 مليار ريال سعودي، أي نحو 368 مليون دولار.
وقالت وزارة الخارجية السعودية، في بيان لها، إن الدعم جاء استجابةً لمناشدة رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، موضحةً أن الدعم سيوجَّه عبر البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن.
وبحسب الوزارة، يشمل المبلغ المقدم دعم موازنة الحكومة، ودعم المشتقات النفطية، إضافةً إلى دعم الميزانية التشغيلية لمستشفى الأمير محمد بن سلمان في محافظة عدن، "وفقاً لحوكمة تدعم جهود الحكومة اليمنية في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية"، وفق البيان.
ويأتي هذا الدعم في ظل اشتداد الأزمة المالية الخانقة التي تعاني منها الحكومة في عدن، رغم مرور أكثر من شهر على إعلانها تدشين خطة إصلاحات اقتصادية، أثمرت حتى اللحظة عن تحقيق تحسن في قيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية بأكثر من 40%.
إلا أن الأزمة المالية التي تعاني منها الحكومة منذ توقف تصدير النفط أواخر 2022م ما تزال مستمرة، بل إنها تفاقمت مؤخراً بعجز الحكومة عن دفع رواتب الموظفين والجنود في المناطق المحررة للشهر الثالث على التوالي.
بالإضافة إلى عجزها التام منذ أشهر في ملف الخدمات، وخاصة في الكهرباء التي شهدت هذا العام تراجعاً غير مسبوق جراء عجز الحكومة عن شراء أي كميات من وقود التوليد.
ويعود هذا العجز المالي إلى استمرار فشل الحكومة في تعويض النقص الكبير في الإيرادات بسبب توقف تصدير النفط جراء هجمات مليشيا الحوثي على موانئ التصدير أواخر 2022م، حيث تؤكد الحكومة أن عائدات النفط كانت تمثل 70% من الإيرادات العامة.
وتكشف التقارير الصادرة عن البنك المركزي اليمني بالعاصمة عدن عن صورة لحجم العجز المالي الذي تعاني منه موازنة الحكومة، حيث بلغ العجز المالي خلال النصف الأول من العام الجاري 2025 نحو 46%.
ويشير تقرير البنك حول بيانات التنفيذ الفعلي للموازنة إلى أن الإيرادات العامة خلال النصف الأول من العام الجاري بلغت 508.2 مليار ريال مقابل 939.7 مليار ريال نفقات عامة، ليبلغ العجز نحو 431.5 مليار ريال.
في حين يكشف تقرير البنك حول البيانات المالية للعام الماضي 2024م اعتماد الحكومة كلياً على الدعم السعودي لإنقاذ موازنتها بدلاً من العمل على تنمية الموارد المحلية لتغطية العجز الذي تسبب به وقف تصدير النفط.
وتشير الأرقام إلى أن المنح التي حصلت عليها الحكومة من السعودية لدعم الموازنة شكّلت 61% من الإيرادات، مقابل 39% فقط للإيرادات غير النفطية. ففي حين بلغت الإيرادات 2,065 مليار ريال، بلغت المنح السعودية 1,258 مليار ريال، في حين بلغت الإيرادات غير النفطية 807 مليارات ريال فقط.
اللافت في تقرير البنك أن الإيرادات غير النفطية، التي تشمل الضرائب والجمارك والرسوم ومبيعات الغاز المحلي، انخفضت في عام 2024 بنحو 14.4 مليار ريال مقارنة بالعام السابق 2023م، وهو ما يعني تراجع الحكومة في تحصيل الإيرادات بدلاً من تنميتها وزيادة تحصيلها.
إذ انخفضت الإيرادات الضريبية، التي تشمل الرسوم الجمركية، بنحو 35 مليار ريال في 2024م مقارنة بالعام 2023م، في حين ارتفعت الإيرادات غير الضريبية بنحو 20 مليار ريال.
ورغم هذا الارتفاع في الإيرادات غير الضريبية، التي تشمل (رسوماً متنوعة ومبيعات الغاز محلياً)، إلا أن تقرير البنك يقول إنها بلغت في 2024 نحو 120 مليار ريال فقط، في حين تؤكد تقديرات سابقة لمختصين أن مبيعات الغاز لوحدها تفوق 200 مليار ريال سنوياً.
الخلل الواضح في قدرة الحكومة اليمنية على تنمية وتحصيل الإيرادات المحلية، يقابله أيضاً تقاعس عن ضبط وترشيد النفقات الجارية لتقليل حجم العجز المالي، كما تظهره الأرقام في تقارير البنك.
فعلى الرغم من انخفاض النفقات الجارية في عام 2024 بمقدار 139 مليار ريال عن العام السابق 2023م، إلا أن تفاصيل هذه النفقات، التي بلغت 2,686 مليار ريال، تؤكد استمرار غياب الترشيد في ملف النفقات بما يوازي حجم الأزمة المالية.
ويقول التقرير إن انخفاض النفقات الجارية في عام 2024 يعود أساساً لانخفاض نفقات الإعانات والمنافع الاجتماعية بمقدار 433.8 مليار ريال، إلا أن هذا البند لا يزال يُشكل رقماً كبيراً يصل إلى 776 مليار ريال، ويتضمن هذا المبلغ ما تُعرف بكشوفات الإعاشة التي تُصرف للمسؤولين والقيادات المقيمة خارج البلاد، وتزايدت المطالبات مؤخراً بإلغاء هذا الباب أو تقليصه إلى أقصى حد.
ومقابل انخفاض بند الإعانات، كان لافتاً ارتفاع نفقات الأجور والمرتبات خلال 2024م، رغم شدة الأزمة المالية، بمقدار 217 مليار ريال. ويُبرر تقرير البنك ذلك بأنه "نتيجة إضافة المتأخرات في بند الأجور والمرتبات التي كانت معلقة في عام 2023".
كما ارتفعت أيضاً مدفوعات الفوائد (الدين المحلي) والنفقات الجارية الأخرى بما مقداره 123.2 مليار ريال خلال عام 2024 مقارنة بالعام السابق 2023م، ما يشير إلى أحد مفاصل الخلل الذي تعاني منه مالية الحكومة.
أرقام تؤكد عمق الأزمة والخلل الذي تعاني منه السياسات المالية للحكومة اليمنية، تتطلب معها حلولاً وإصلاحات جذرية، لن يُغني عنها أي دعم مادي خارجي مهما كان حجمه.