مركز دراسات: تحالف الفساد والسلاح يعمّق مأزق الشرعية في تعز

السياسية - منذ 5 ساعات و 17 دقيقة
تعز، نيوزيمن، خاص:

يشهد المشهد الأمني في مدينة تعز واحدة من أكثر صور الفوضى المركبة في اليمن اليوم، حيث تتقاطع فيه مصالح الفصائل العسكرية والحزبية مع شبكات الفساد والجريمة المنظمة في مشهد يعكس مأزقًا عميقًا تعيشه الشرعية اليمنية في مناطق سيطرتها.

ففي افتتاحية حديثة بعنوان "الانفلات الأمني في تعز ومأزق الشرعية", كشف مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية عن ملامح هذا التعقيد الأمني، موضحًا أن ما يجري في تعز ليس مجرد تنافس نفوذ بين القوى السياسية داخل مجلس القيادة الرئاسي، بل هو تشابك بنيوي بين أمراء حرب، ومسؤولين فاسدين، وجماعات مسلحة خارجة عن القانون باتت تفرض سطوتها على حساب مؤسسات الدولة.

رمز لانهيار سلطة الدولة

جريمة اغتيال مديرة صندوق النظافة والتحسين في تعز، افتهان المشهري، تمثل وفق المركز "تجسيدًا عمليًا لفشل الدولة في حماية رموزها ومؤسساتها"، إذ تم تنفيذ الاغتيال في وضح النهار على يد مسلحين مرتبطين بتشكيلات عسكرية رسمية، بينما اكتفت السلطات المحلية ببيانات متناقضة وتبادل للاتهامات بين القوى السياسية.

التحقيقات التي أعقبت الحادثة، وربطت القاتل بقيادات في اللواء 170 دفاع جوي، كشفت جانبًا مظلمًا من طبيعة التحالف بين الفساد والقوة العسكرية، حيث تحولت المؤسسات الإيرادية، مثل صندوق النظافة، إلى مصدر تمويل للفصائل النافذة التي تبتز المواطنين وتنهب المال العام باسم "الشرعية".

ويرى مركز صنعاء أن المشكلة لم تعد في الجريمة نفسها، بل في البيئة السياسية والأمنية التي تحمي مرتكبيها. فالجهات السياسية النافذة، بحسب التقرير، تخشى مواجهة قادة المجموعات المسلحة خوفًا من فقدان نفوذها داخل موازين القوى، الأمر الذي أدى إلى ترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب وتفريغ مؤسسات الدولة من مضمونها.

وفي هذا السياق، باتت تعز نموذجًا مصغرًا لمعادلة الفوضى التي تحكم مناطق سيطرة الحكومة، حيث يستبدل القانون بولاءات فصائلية، وتُمنح المهام الأمنية لعناصر خارجة عن القانون، بينما يعيش السكان في خوف دائم من الاعتقالات والابتزاز والانتهاكات اليومية.

الدولة واجهة شكلية

تحليل المركز يشير إلى أن الأزمة في تعز تكشف جوهر مأزق الشرعية اليمنية، سلطة اسمية تفتقر إلى أدوات النفوذ الفعلي، وتتحكم بها قوى عسكرية وأمنية غير منضبطة. هذه الحالة لا تهدد فقط الأمن المحلي، بل تقوض ما تبقى من ثقة المجتمع اليمني بالحكومة الشرعية.

فالاحتجاجات التي شهدتها تعز عقب مقتل المشهري، والتي قادتها نساء في البداية قبل أن تتسع رقعتها، تعكس حجم الغضب الشعبي تجاه سلطة عجزت عن بسط الأمن أو محاسبة الجناة. هذا السخط، وفق افتتاحية مركز صنعاء "يمثل مؤشرًا خطيرًا على انهيار العلاقة بين المواطن والسلطة، وهي العلاقة التي تُبقي الدولة قائمة في الأساس".

ويذهب التحليل إلى أن استمرار الفوضى في تعز قد يدفع الداعمين الإقليميين والدوليين إلى إعادة تقييم موقفهم، خاصة مع غياب أي مؤشرات على إصلاح حقيقي داخل مؤسسات الدولة. فالعجز عن كبح الانتهاكات أو ضبط الأمن "يُفقد الحكومة شرعيتها أمام الداخل والخارج"، ويحولها إلى كيان هش يعتمد على الدعم الخارجي أكثر مما يعتمد على رضى المواطنين.

وخلص مركز صنعاء إلى أن استعادة السيطرة لا يمكن أن تتحقق عبر الشعارات أو التحالفات المؤقتة، بل من خلال إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وإقالة القادة العسكريين المتورطين في الانتهاكات، وتفعيل القضاء، وضمان حماية الاحتجاجات السلمية. 

ويؤكد التحليل أن الشرعية اليوم أمام اختبار وجودي: فإما أن تمارس سلطتها كدولة مسؤولة، أو تواصل التآكل تحت هيمنة أمراء الحرب حتى تفقد كل ما تبقى من مبررات بقائها.