قمر صناعي ووحدة استخبارات خاصة.. إسرائيل تضع الحوثي تحت المراقبة

السياسية - منذ 7 ساعات و 46 دقيقة
عدن، نيوزيمن، خاص:

تسعى إسرائيل إلى تعزيز حضورها العسكري والاستخباراتي لمواجهة ما تصفه بـ"الخطر الإيراني وأذرعه"، إذ أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية عن إطلاق القمر الصناعي "أوفيك 19" (أُفق 19) المخصص لأغراض الرصد والتجسس، معتبرة أن هذه الخطوة ستمنحها قدرات متقدمة لمراقبة مناطق استراتيجية حساسة تشمل إيران واليمن والبحر الأحمر. 

ويأتي هذا التطور بعد أسابيع من التصعيد المتبادل بين تل أبيب وطهران وحلفائها في المنطقة، حيث ينظر صانع القرار الإسرائيلي إلى الحوثيين بوصفهم امتدادًا مباشرًا لنفوذ إيران وخطرًا متناميًا على أمنها القومي وخطوط الملاحة الدولية.

وفي موازاة هذا المسار الفضائي، كشفت تقارير غربية عن تشكيل وحدة استخباراتية إسرائيلية خاصة بالحوثيين في اليمن تضم نحو 200 ضابط وجندي، في مؤشر واضح على أن المواجهة انتقلت من مجرد ضربات جوية متفرقة إلى تأسيس بنية استخباراتية متخصصة لمتابعة تحركات الجماعة المدعومة من طهران. 

ويقرأ محللون هذه الخطوات كجزء من تحول عميق في عقيدة الأمن الإسرائيلي، يقوم على الجمع بين أدوات المراقبة الفضائية فائقة الدقة، والاختراقات الميدانية المباشرة، من أجل التصدي للحوثيين باعتبارهم تهديدًا استراتيجيًا مستجدًا يوازي في خطورته التهديد الإيراني التقليدي.

عين إسرائيل في الفضاء

بحسب صحيفة معاريف العبرية، تم إطلاق القمر الصناعي "أوفيك 19" مساء الاثنين بواسطة صاروخ "شافيت" من ميدان تجارب وسط إسرائيل، في عملية وُصفت بأنها إنجاز تكنولوجي يعزز موقع تل أبيب في سباق التسلح الفضائي.

وأوضحت وزارة الدفاع أن القمر مزوّد بقدرات متقدمة للرصد الراداري قادرة على العمل في جميع الظروف الجوية، ليكون بمثابة أداة استخباراتية دائمة تسمح بمراقبة الأرض على مدار الساعة دون انقطاع. وسيخضع القمر في مداره لسلسلة من الاختبارات للتحقق من سلامته ومستوى أدائه قبل أن يُدمج بشكل كامل في شبكة المراقبة العسكرية الإسرائيلية.

ويشرف على برنامج الفضاء الدفاعي مديرية الفضاء في الجيش الإسرائيلي، التي تنسق عمل وحدات متخصصة مثل الوحدة 9900 المسؤولة عن الاستطلاع الفضائي وتحليل الصور، إضافة إلى سلاح الجو الذي يتكامل مع هذه المنظومة لتوجيه الضربات بناءً على المعلومات التي توفرها الأقمار الصناعية. 

وعلى المستوى الصناعي، تولت شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية (IAI) تطوير القمر ومنصة الإطلاق، بينما ساهمت شركات عسكرية رائدة مثل "رافائيل" و"تومر" في تصنيع المحركات وأنظمة الدفع، بما يعكس تعاونًا وثيقًا بين المؤسسات الدفاعية والعسكرية لتعزيز التفوق الاستراتيجي لإسرائيل.

وتُعد سلسلة "أوفيك" أقمارًا صناعية عسكرية تُستخدم حصريًا لأغراض التجسس وجمع المعلومات الاستخبارية، منذ إطلاق أول قمر منها عام 1988، حيث ساعدت إسرائيل على بناء بنك أهداف متطور في محيطها الإقليمي. 

ومع دخول "أوفيك 19" الخدمة، يُنظر إليه كـ"قفزة نوعية" في مراقبة تحركات إيران ووكلائها الإقليميين، بما في ذلك جماعة الحوثي في اليمن التي صعدت من عملياتها الصاروخية والطائرات المسيّرة ضد إسرائيل. ويرى خبراء عسكريون أن امتلاك مثل هذه القدرات يمنح إسرائيل ميزة "العين التي لا تنام"، ما يسمح لها بتقليص زمن الاستجابة لأي تهديد محتمل، وتوسيع نطاق عملياتها الهجومية والردعية في آن واحد.

اختراقًا استخباراتيًا

بالتوازي مع هذا التطور الفضائي، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال أن الطيران الإسرائيلي نفذ مؤخرًا ضربة دقيقة في صنعاء استهدفت اجتماعًا رفيع المستوى لمسؤولي جماعة الحوثي، وذلك بعد ساعات قليلة فقط من التقاط المخابرات الإسرائيلية إشارة حول موعد ومكان اللقاء. وأسفر الهجوم، الذي وُصف بأنه من أكثر العمليات دقة في السنوات الأخيرة، عن مقتل 12 مسؤولًا، من بينهم رئيس وزراء حكومة الحوثيين ووزير الخارجية، في ضربة اعتُبرت "رمزية" لكنها شديدة الدلالة على حجم الاختراق الأمني داخل الدائرة القيادية للجماعة.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمنيين أن العملية لم تكن مجرد رد فعل عسكري، بل تجسيد لاستراتيجية إسرائيلية جديدة تقوم على تعزيز الاختراق الاستخباراتي العميق ضد وكلاء إيران في المنطقة، وفي مقدمتهم الحوثيون. وجاءت العملية ضمن جهود متنامية تهدف إلى إعادة رسم قواعد الاشتباك عبر اعتماد مبدأ جديد أُطلق عليه اسم "فافو" (Find And Fix And Obliterate – العثور والتثبيت والتدمير)، وهو مبدأ يقوم على تنفيذ ضربات استباقية ومفاجئة لإحباط المخططات المعادية قبل أن تتحول إلى تهديد فعلي، بدلاً من الاكتفاء بالردود المحدودة أو المؤجلة.

ويرى محللون أن هذا النهج يعكس تحوّلًا في عقيدة إسرائيل الأمنية تجاه الحوثيين، إذ لم يعد التعامل معهم يقتصر على تدمير البنى التحتية أو منصات الإطلاق، بل أصبح يستهدف رؤوس الهرم السياسي والإداري للجماعة، بهدف إرباك منظومتها القيادية وحرمانها من القدرة على التنسيق الفعّال. كما أن اختيار توقيت العملية – بالتزامن مع خطاب لعبد الملك الحوثي كان المسؤولون بصدد متابعته – يبعث برسالة مفادها أن الاستخبارات الإسرائيلية قادرة على اختراق دوائر القرار الحوثي حتى في لحظاتهم الأكثر خصوصية وسرية.

ويشير خبراء أمنيون إلى أن هذه الضربة قد تدفع الحوثيين إلى تغيير أنماط سلوكهم الأمني، بما في ذلك تقليص الاجتماعات العلنية، وتبني مزيد من السرية في تحركاتهم، وهو ما يعني أن إسرائيل نجحت بالفعل في إجبار الجماعة على إعادة حساباتها. في المقابل، يتوقع أن تثير هذه التطورات مخاوف من تصعيد متبادل، خاصة مع تهديد الحوثيين بالانتقام وتأكيدهم أنهم لن يتركوا ما وصفوه بـ"العدو الغادر" دون رد.

وحدة خاصة بالحوثيين

وبعد توقف الحرب الإسرائيلية – الإيرانية الأخيرة التي استمرت 12 يومًا، اتخذت تل أبيب خطوة لافتة عبر تشكيل وحدة استخباراتية خاصة بالحوثيين، تضم نحو 200 ضابط وجندي، وفق ما نقلته وول ستريت جورنال عن مسؤول إسرائيلي. وتُعد هذه الخطوة غير مسبوقة، إذ لم يسبق أن خصصت إسرائيل وحدة استخباراتية مستقلة لمتابعة فصيل مسلح خارج دائرة المواجهة التقليدية مع إيران أو حزب الله أو حماس، وهو ما يعكس تحوّل الحوثيين إلى عامل تهديد استراتيجي مستقل في المعادلة الأمنية الإسرائيلية.

ويرى خبراء أن إنشاء هذه الوحدة يمثل اعترافًا صريحًا من المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بأن الحوثيين تجاوزوا دورهم المحلي أو الإقليمي الضيق، وباتوا يشكلون ذراعًا بعيدة المدى لإيران، قادرة على تهديد العمق الإسرائيلي وضرب الملاحة الدولية في البحر الأحمر. فالطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية التي أطلقها الحوثيون خلال الأشهر الماضية باتجاه إسرائيل، إلى جانب محاولاتهم المتكررة استهداف السفن التجارية والعسكرية قرب مضيق باب المندب، تؤكد أنهم لم يعودوا مجرد طرف في الحرب اليمنية، بل لاعبًا إقليميًا قادرًا على زعزعة الاستقرار في واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية.

تكليف 200 عنصر عسكري واستخباراتي بمهمة متفرغة لمتابعة الحوثيين يهدف إلى جمع معلومات دقيقة ومستمرة حول مواقع القيادة والسيطرة، وشبكات التمويل، ومسارات تهريب السلاح الإيراني إلى اليمن، إضافة إلى تطوير آليات للتصدي للتهديدات البحرية والجوية المنطلقة من مناطق سيطرتهم. كما أن هذه الوحدة ستسمح لإسرائيل بدمج البيانات الفضائية من القمر "أوفيك 19" مع المعلومات الميدانية، بما يخلق قدرات استخباراتية متعددة الأبعاد ضد الجماعة.

ويذهب بعض المراقبين إلى أن هذه الخطوة تحمل أيضًا بعدًا سياسيًا ورسالة ردع مزدوجة، إذ تقول إسرائيل من خلالها إنها لن تسمح للحوثيين بالعمل كـ"نسخة يمنية من حزب الله"، وإنها مستعدة لاستخدام نفس التكتيكات التي اعتمدتها في مواجهة حماس وحزب الله، بما في ذلك الاغتيالات النوعية والضربات الوقائية.

رسائل متعددة

وصرّح وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس عقب الضربة الدقيقة: "فلول القيادة الحوثية تهرب من صنعاء، وسنواصل ملاحقتهم أينما كانوا"، في إشارة واضحة إلى اعتماد تل أبيب على استراتيجية الملاحقة المستمرة والتدخل الاستباقي ضد أي تهديد مستقبلي، بدل الاكتفاء بالردود التقليدية. في المقابل، توعد رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين مهدي المشاط بالانتقام، قائلاً: "من عمق الجرح سنحقق النصر"، في رسالة تؤكد تصميم الحركة على الصمود والرد، ما يعكس ديناميكية تصعيد مستمرة بين الطرفين.

ويرى محللون أن الهجوم الإسرائيلي على قيادات الحوثيين كان رمزيًا أكثر منه جوهريًا، إذ استهدف الواجهة الإدارية للحركة وليس البنية العسكرية العميقة، إلا أن الرمزية هنا تحمل أبعادًا استراتيجية متعددة: فهي رسالة تحذير للحوثيين بأن إسرائيل لم تعد تكتفي بالقدرات الدفاعية أو الضربات المحدودة، وأنها تعتبرهم تهديدًا مباشرًا ضمن استراتيجيتها الإقليمية، خصوصًا مع تصاعد دورهم كذراع إيرانية في البحر الأحمر واليمن.

وعلى الرغم من التطورات التقنية والعسكرية، بما في ذلك الاستفادة من القمر الصناعي "أوفيك 19" ووحدة الاستخبارات الخاصة بالحوثيين، يدرك الإسرائيليون أن مواجهة الجماعة ليست سهلة، إذ سبق أن أظهرت الجماعة مرونة عالية وقدرة على التكيف مع الضغوط، متجاوزة الحملات الجوية السعودية والأميركية، وتحافظ على بنيتها العسكرية المستترة وخطوط تواصل معقدة.

ويؤكد محللون أمنيون أن إسرائيل ستحتاج في حال تصاعد الصراع إلى دعم أميركي مباشر ومتكامل، سواء على صعيد الاستخبارات أو القدرات الضاربة، خاصة في ظل تعقيدات المشهد اليمني وسيطرة الحوثيين على مساحات واسعة من البلاد، فضلاً عن تمركزهم بين غالبية السكان، ما يجعل أي مواجهة عسكرية معقدة وتحتاج لتنسيق دقيق مع الحلفاء الإقليميين والدوليين.

كما تحمل الضربة جانبًا نفسيًا واستراتيجيًا، إذ تهدف إسرائيل من خلالها إلى إرسال رسائل ردع مزدوجة: أولاً للحوثيين بأنهم تحت المراقبة الدقيقة، وثانيًا لإيران بأن تل أبيب قادرة على ضرب وكلائها في العمق الإقليمي، بما يعزز موقعها في معادلة الردع الإقليمي.