جُمع السبعين الحوثية.. تضليل للخارج وإرهاب للداخل

تقارير - Monday 29 January 2024 الساعة 09:21 am
صنعاء، نيوزيمن، خاص:

مبكراً يستيقظ سائق الدينة (وسيلة نقل صغيرة) ناصر الحيمي صباح كل جمعة، لتجميع مواطنين كُلف بنقلهم إلى مدينة صنعاء لحضور فعالية ميدان السبعين وإعادتهم آخر اليوم إلى منطقته السكنية بمديرية الحيمة (60 كيلو مترا غربي صنعاء).

سيحصل ناصر على قيمة صفيحتي بنزين تقدر بنحو 20 ألف ريال يمني، وعلى نحو 10 آلاف أخرى تحت مسمى مصاريف جيب، وهي مبالغ مالية ضئيلة، لكنها بالنسبة له "تبدو مخارجة" في ظل استمرار توقف صرف المرتبات وتفاقم معاناة ناصر وأسرته من البطالة وغلاء الأسعار وندرة الأعمال الحرة.

مسيرات الجمعة، التي تنظمها مليشيا الحوثي -الذراع الايرانية في اليمن- في الآونة الأخيرة أسبوعياً في صنعاء والمحافظات المجاورة لها، بمزاعم مناصرة الشعب الفلسطيني وتأكيدا لما تصفها بـ"واحدية المعركة في مواجهة أعداء الأمة العربية والإسلامية حتى تحقيق النصر"، لا تعني شعاراتها الرنانة للسائق ناصر وأمثاله شيئاً بقدر اهتمامه بأجور ناقلته -صغيرة الحجم- وتكاليف العملية.

مشاركات قسرية اتقاءً للتعسفات والإقصاء الوظيفي 

توظّف مليشيا الحوثي كل إمكانيات الدولة ومؤسساتها للحشد لفعالية جمعة السبعين، فمن مديرية معين بمدينة صنعاء يقول عبدالرحمن ياسين -مالك مطعم- إنه يضطر لإرسال عاملين من عمال المطعم للمشاركة في الفعالية، تجنباً لمضايقات عاقل الحارة ومشرف المنطقة، وحتى لا يعاقب بالحرمان من إسطوانات الغاز المنزلي عند الأزمات المتكررة.

"نتضامن مع فلسطين من قبل أحداث غزة ومن قبل ما يظهر الحوثي"، يقول عبدالرحمن الذي يرى أن ما يرفع من شعارات براقة وعناوين سياسية وإنسانية في جمع السبعين يعتبر نفاقاً وتزييفا للواقع، متسائلا في هذا السياق: "كيف يمكن فهم أن مناصرة غزة ورفع المعاناة عن سكانها والتخفيف من حالة المجاعة هناك، يأتي من بوابة زيادة معاناة اليمنيين هنا؟"، وذلك في إشارة إلى هجمات مليشيا الحوثي على السفن التجارية والملاحة البحرية بزعم مساندة فلسطين.

الموظف بمكتب إحدى الوزارات الحكومية بصنعاء، سامي جابر، قال إنه يشعر ومجموعة من زملائه بنوع من الترهيب والتعسفات والمضايقات المتكررة بهدف دفعهم إلى عدم الحضور إلى المكتب، وبالتالي تبرير فصلهم وتعيين بدلاء عنهم موالين للجماعة، ولذلك يحرص سامي وزملاؤه على حضور فعالية جُمع السبعين اتقاءً لشر مقصلة الإقصاء والفصل التعسفي بذريعة التخلف عن ما يصفها بـ(معركة الجهاد المقدس) وخذلان (المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق).

 مناصرة غزة بمفاقمة المجاعة في صنعاء

بلسان المشاركين في جمع السبعين تزعم مليشيا الحوثي أن الشعب اليمني يجدد بتلك المسيرات "استعداده واستنفاره للجهاد المقدس في مواجهة العدوان الأمريكي والبريطاني والكيان الصهيوني حتى تحقيق النصر وتحرير الأقصى الشريف وفلسطين المحتلة"، في واحدة من شطحات الجماعة وصور التضليل الحوثي المخادع للخارج والوصاية والمتضمن ترهيباً للداخل. 

أبعد من ذلك تذهب مليشيا الحوثي إلى تضليل الرأي العام الخارجي، والهروب من استحقاقات توفير الغذاء والدواء والتعليم والصحة والمرتبات لموظفي الشعب اليمني في الداخل،  إلى مزاعم تأكيد "استمرارية الشعب اليمني في التجهيز والتدريب والتأهيل للمقاتلين استعدادا وتعبئة واستنفارا للمعركة المقدسة" المزعومة في أفكار وثقافات وخرافات الجماعة.

 ومنذ الصباح الباكر ينتشر بكثافة جنود يرتدون أزياء الشرطة والمرور والنجدة والأمن المركزي وكافة التشكيلات الأمنية على مداخل مدينة صنعاء وشوارع الأحياء السكنية بمنطقة السبعين، ويعتقد الباحث الاجتماعي، ناصر سالم، أنها مناسبة لحصول هؤلاء الموظفين على مكأفاة مالية مقابل الخروج فيما تسمى مهمّة خارجية، خاصة أنهم بلا مرتبات منذ سنوات ماضية وباتت أوضاعهم المعيشية سيئة للغاية.

استثمار غير أخلاقي لاحتياجات الداخل

ويرى سالم أن مليشيا الحوثي بإجبارها لمسئولي وموظفي الدولة في عموم المكاتب والمؤسسات الحكومية ومسئولي المجالس المحلية وعقال الحارات والمنتفعين منها لحضور فعاليات جمع السبعين قسرياً، يعد تضليلاً للخارج بزعم وجود تفويض شعبي لشرعنة أعمالها العسكرية وقرصنتها للسفن التجارية في مياه البحر الأحمر، وفي نفس الوقت استغلالاً واستثماراً لا أخلاقيا لاحتياجات الداخل.

بمنهجية إيرانية عدائية للعرب والدول العربية الوطنية، وجهل حوثي مستفحل، تمضي جماعة الحوثي كغيرها من جماعات الإسلام السياسي لتدمير جيوش واقتصاد بلدانهم وبلدان الجوار، وما حرائق الشرق الأوسط المشتعلة في العراق وسوريا واليمن وليبيا، والتحريض التعبوي ضد الدول المحيطة بإسرائيل بذريعة غزة، إلا شواهد حيّة على ذلك ووقائع فاضحة لأكاذيب "دعم وإسناد الشعب الفلسطيني المظلوم وقضيته العادلة"، حسب شعارات جمع السبعين الحوثية بصنعاء.

تزعم مليشيا الحوثي -تدليساً وكذباً- أن هجماتها ضد الملاحة البحرية فيما تعتبره دعم وإسناد الشعب الفلسطيني المظلوم وقضيته العادلة، إنما يأتي انطلاقا من موقفها "المبدئي والإنساني والديني والأخلاقي"، مستثنية من هذه السلسلة البراجماتية الخادعة دافع "الموقف الوطني"، فالدفاع وحماية الأوطان من منظور وطني بحت بالنسبة لعقيدة الجماعة سيعد خيانة لمفهوم الولاية والتبعية الإيرانية، وخروجا عن النص لمخططات وبرامج وأهداف القوى الاستعمارية في المنطقة.