85 % من المساعدات الأممية تذهب لمناطق الحوثي.. استراتيجيات فاشلة تستنزف أموال المانحين في اليمن

إقتصاد - Sunday 30 October 2022 الساعة 04:09 pm
صنعاء، نيوزيمن، خاص:

خلال الأيام الماضية برز وسم يعبر عن إحباط اليمنيين من الإخفاقات في تنفيذ برامج المساعدات الإنسانية الدولية، وسط تشكيك بجودة المساعدات الإنسانية المقدمة من المنظمات الأممية والدولية لصالح التخفيف من معاناة الشعب اليمني.

اتهامات ليست الأولى التي توجه للمنظمات الأممية العاملة من مكاتبها الرئيسية في صنعاء الخاضعة لسيطرة ميليشيات الحوثي -ذراع إيران في اليمن، ولكن هذه المرة برزت بشكل لافت مع إعلان مسؤولين أممين الترتيبات لعقد مؤتمر مانحين جديد بعد أسابيع في شهر نوفمبر بالعاصمة السويسرية جنيف هدفه جمع مزيد من الأموال تحت غطاء أفواه الجائعين في اليمن ومواجهة التحديات الإنسانية جراء الأزمة هناك.

تصريحات لمسؤولين حكوميين في وزارة التخطيط والتعاون الدولي يطالبون الأمم المتحدة ووكالات المساعدات العاملة من صنعاء بالشفافية، بعد فشل استراتيجيتهم خلال الأعوام السابقة في تقديم المساعدة الحقيقية التي ينتظر الشعب اليمني الذي يمر بأزمة هي الأسوأ على مستوى العالم.

وكل عام تعقد الأمم المتحدة مؤتمرا للمانحين وتؤكد أن الاحتياجات تتصاعد وأفواه الجائعين في تزايد، وأن عدد المواطنين الذي يحتاجون إلى مساعدة إنسانية تخطى 23 مليون نسمة، منهم 19 مليون بحاجة ماسة للمساعدة إلا أن هذا العام اعتزمت الأمم المتحدة عقد مؤتمرين الأول كان في شهر مارس الماضي، والثاني في شهر نوفمبر للحصول على أكبر قدر من أموال المانحين لتنفيذ خطة استجابتها الإنسانية -على حد تعبيرها- والتي تبلغ كلفتها أكثر من 4 مليارات دولار.

الغريب أن المنظمات الأممية بينهم برنامج الغذاء العالمي تؤكد أن الميليشيات الحوثية تسرق الطعام من أفواه الجائعين، وتمارس أبشع الانتهاكات بحق الأعمال والمشاريع الإغاثية والإنسانية والتنموية التي يجري تنفيذها في مناطق سيطرة الحوثيين، إلا أن وكالات المساعدات الأممية لا تزال تمارس نشاطاتها من صنعاء ويخضعون لسيطرتهم.

تشكيك رسمي ومدني بجودة المساعدات 

وأوضحت الناشطة الحقوقية اليمنية "أفراح ناصر" في مقال نشرته بـ"المركز العربي -واشنطن دي سي"، وهو مركز أبحاث في العاصمة الأمريكية متخصص بالشأن العربي، أن الكثير من اليمنيين يشككون في جودة المساعدات الإنسانية الدولية، ويطالبون وكالات المساعدات، الأممية وغيرها، بالشفافية، فيما دأب عدد متزايد من الخبراء اليمنيين منذ فترة على دق ناقوس الخطر بشأن إخفاقات الاستجابة الإنسانية الدولية في البلاد.

وسلطت الناشطة الحقوقية الضوء على 3 عوامل لـ"فشل" استراتيجية المساعدات الإنسانية لليمن، وهي: تركيز المنظمات الإنسانية على الحلول قصيرة الأجل، وإصرارها على الحياد السلبي، وعدم احتوائها للمهنيين اليمنيين بشكل كاف، واعتبرت أن الانتقادات الموجهة إلى المنظمات الإنسانية تؤشر إلى وجود مشاكل خطيرة يجب على المجتمع الإنساني الدولي معالجتها لتخفيف المعاناة في اليمن.

وأوضحت أن استراتيجيات المنظمات الإنسانية في اليمن تميل إلى التركيز على تنفيذ أجنداتها الخاصة، وتهدف بشكل أساسي إلى إرضاء الجهات المانحة وتلبية توقعاتها فقط. لكن بالنسبة لليمنيين، فإن هذه الاستراتيجيات لا تعالج جذور المشكلة، وتفشل في توفير حلول طويلة الأجل للقضايا الإنسانية المستمرة.

من جانبه مستشار وزير الإدارة المحلية لشؤون الإغاثة -المنسق العام للجنة العليا للإغاثة، جمال بلفقيه، دعا الدول والمنظمات المانحة للضغط على وكالات المساعدات للانتقال من تقديم المساعدات الطارئة إلى تقديم أوجه الدعم لمشاريع الإغاثة ذات الاستدامة "مرحلة الاستدامة" ومشاريع التمكين والتأهيل وتوفير فرص العمل للشباب.

وأكد بلفقيه على ضرورة الانتباه والأخذ في الحسبان، آثار الصراعات الدولية بما في ذلك الحرب الروسية -الأوكرانية وانعكاساتها الخطيرة على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في اليمن، وهو ما يستدعي بالضرورة توجه الدول المانحة والمنظمات الدولية الداعمة إلى دعم المشاريع ذات الاستمرارية والديمومة في مقدمتها دعم قطاعي الزراعة والثروة السمكية كونهما الأهم في توفير الغذاء الأساسي، والمتجددان باستمرار وذلك من خلال دعم توسعة وإصلاح الأراضي الزراعية، وبناء السدود وإصلاح القنوات ودعم وتشجيع المزارعين، والصيادين.

فقد للحياد والشفافية في تقديم المساعدات 

ومع استمرار الصراع بالبلاد، طورت ميليشيا الحوثي من عمليات سيطرتها ونهبها للمساعدات الإنسانية بدءا من إصدار الهيئات والجهات الرقابية وأيضا القوانين والإجراءات التي تتحكم بشكل رئيسي بعمل الوكالات والمنظمات الإنسانية والإغاثية بصنعاء وباقي المحافظات اليمنية ومنها المحافظات المحررة، وتحول "حياد" المنظمات الإنسانية الدولية إلى "صمت مأساوي بشأن ممارسات الجماعات المسلحة التعسفية ضد العمل الإنساني وعرقلة المساعدات الإنسانية"، بحسب تعبير الناشطة الحقوقية.

وأشارت إلى أن وكالة أسوشيتد برس نشرت تحقيقا معمقا يوضح بالتفصيل الانتهاكات الخاصة بالمساعدات، التي ارتكبتها جميع أطراف النزاع، ومع ذلك أخفقت مجموعات المساعدة الإنسانية الدولية في إدانة هذه الانتهاكات.

ولأن غالبية سكان اليمن يعيشون في مناطق تسيطر عليها جماعة الحوثي، فإن غالبية العمل الإنساني في البلاد يتم في تلك المناطق، وهو ما أدركته الميليشيات الحوثية وسعت للسيطرة على المساعدات الدولية لتكون أداة قوية، حيث أنشأوا في عام 2019 هيئة إنسانية مملوكة لهم، تسمى "المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي"، وهي هيئة تهدف إلى "تقديم معلومات استخبارية إلى كبار مسؤولي الحوثيين حول مجموعات المساعدات الإنسانية المحلية المستقلة، وفرض مئات القيود على منظمات الإغاثة المحلية والدولية، وفرض الضرائب أو خصم الأموال من المساعدات".

فالهيئة تحتكر جميع أعمال المساعدات الإنسانية اليمنية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، "ما يعني أن أي منظمات مدنية تحاول القيام بأعمال الإغاثة يجب عليها أن تلتزم بقواعد ومتطلبات سلطات الحوثيين، ويجب أن تخضع لإشرافهم الكامل"، حسبما أكدت الناشطة الحقوقية اليمنية.

وأشارت الناشطة الحقوقية اليمنية "أفراح ناصر"، في مقالها، إلى أن تبني أغلب المنظمات الإنسانية لنهج الحياد السلبي جعلها خاضعة في الغالب لأوامر الحوثيين، بما يسمح للجماعة المدعومة من إيران بـ"الاستفادة" من المساعدات المخصصة للأفراد والمنظمات المحلية.

محاربة فساد المنظمات

وشددت "أفراح" على أن معالجة عوامل فشل استراتيجيات المساعدات الإنسانية في اليمن يقتضي عمل المنظمات الدولية لـ"القضاء على الفساد، وإعادة تقييم استراتيجياتها وممارساتها، وإشراك الشركاء والخبراء المحليين بدرجة أكبر"، لافتة إلى أن فقدان سبل العيش، بسبب الصراع المستمر في اليمن، دفع الملايين إلى الاعتماد على المساعدات الإنسانية، في بلد يصنف على مدى عقود قبل الصراع على أنه أفقر دولة في العالم العربي.

ودعت الناشطة المنظمات الدولية إلى إشراك المزيد من عمال الإغاثة الإنسانية اليمنيين في الجهود المبذولة في اليمن اليمنيين الذين لديهم معرفة محلية واسعة على الأرض، لأنهم "الأقدر على تحديد احتياجات مجتمعاتهم واقتراح الحلول الممكنة".

وبالعودة إلى مستشار وزارة الإدارة المحلية جمال  بلفقيه، طالب في هذا الجانب المنظمات الدولية العمل بشفافية مطلقة والتنسيق مع الجهات  والوزارات والسلطات المحلية المختصة، لضمان نجاح أهداف المانحين من الدعم، الذين وللأسف بدأوا يعزفون عن تقديم الدعم بسبب ما رافق الفترة الماضية من خلل وقصور في هذا الجانب.

85 % من المساعدات تصل لمناطق الحوثي

ومن بين الوكالات التي فشلت في تنفيذ استراتيجيات المساعدة الإنسانية في اليمن برنامج الغذاء العالمي، حيث  أصاب عمل البرنامج الكثير من اليمنيين بالصدمة، بالنظر إلى عمل البرنامج المعيب في البلاد. فالبرنامج متهم بترك الطعام يتعفن في مستودعاته المحلية وإرسال طعام فاسد إلى اليمن، وأسفر أسلوب عمله عن نتائج مأساوية، أوصلت قطاعات واسعة من اليمنيين إلى حافة المجاعة.

مستشار وزير الادارة المحلية لشؤون الإغاثة -المنسق العام للجنة العليا للإغاثة، جمال بلفقيه، قال إن الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا قامت بتأمين "22" منفذا بريا وبحريا وطرق رئيسية، بينها ميناء عدن الذي وفر مساحة أربعة هكتارات في المنطقة الحرة لتخزين مواد الإغاثة ومن ثم توزيعها لكافة المحافظات اليمنية، إلا أن الأمم المتحدة تصر على دخول معظم مواد الإغاثة عبر ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة الحوثي وبنسبة 85% "وكلها تذهب للمناطق التي تحت سيطرة الانقلابيين بحكم وجود المقرات الرئيسية للمنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة بصنعاء، إلى جانب  التلاعب الكبير في توصيل تلك المساعدات للمستحقين فعلا".

وأضاف في تصريح له أن ما يصل للمناطق المحررة فقط "15%"من مواد الإغاثة منها 5% للنازحين، 5% للمجتمع المستضيف و5% للفئات الأشد احتياجا.

مطلوب من مؤتمر المانحين القادم 

تشير التقارير أن حوالي "20" مليار دولار استلمتها الأمم المتحدة من الدول المانحة، ونحن ما زلنا في الدرجة الثالثة، أي مرحلة "إنقاذ الحياة" وكان بالإمكان تخصيص ولو مبلغا بسيطا منها لإعادة تأهيل المصانع التي دمرت، ودعم وتشجيع الزراعة والثروة السمكية، وتوفير فرص عمل عديدة للمواطنين ستسهم في الخروج بشكل كبير من الأزمة الراهنة وحتى التخفيف منها.

مستشار وزير الإدارة المحلية جمال بلفقيه في ختام تصريحه في ظل الاستعدادات الجارية لقعد مؤتمر المانحين، تمنى أن تكون أي خطة إنسانية قادمة لدعم الشعب اليمني الانتقال من مرحلة الاستجابة إلى مرحلة الاستدامة، وأن تقوم الجهات المختصة بما في ذلك اللجنة العليا للإغاثة أو غيرها من الجهات، بالإشراف المباشر والرقابة والمتابعة المستمرة ورفع التقارير الدورية لأعمال المنظمات وأوجه الدعم في القطاعات المختلفة، وبالاحتياجات ذات الأولوية القصوى في عموم المحافظات.