مأرب.. الذهب الأسود يدمر جنة حريب الخضراء

تقارير - Friday 22 January 2021 الساعة 12:10 pm
مأرب، نيوزيمن، خاص:

تحول ظهور النفط في محافظة مأرب منتصف ثمانينات القرن الماضي إلى نقمة على أهالي منطقة حريب التي كان سكانها يعيشون حياة مستقرة وصحية معتمدين على الزراعة كمصدر دخل رئيس.

حريب، أرض الزراعة التي دمرها الذهب الأسود، تاريخ يجمع ماضيَ وحاضرَ منطقة تتربع عرش الصحراء في مأرب، حاضرها جلب لها الكثير من النقمة، بعد أن استخرج من باطنها البترول.

تقع مديرية حريب في الجنوب الغربي لمحافظة مأرب واشتهرت بوديانها وأراضيها الزراعية منذ القدم حيث يقطعها عدد من الأودية من أشهرها وادي عين حريب الذي تأتي مياهه من التساقطات المطرية لجبال العيدية وجبال البيضاء، وتحيط بالوادي أراض زراعية خصبة عرفت منذ القدم بزراعة الحبوب بأنواعها وأيضا الفواكه من التين والعنب والبرتقال وكذا النخيل. 

وتؤكد دراسة علمية، اطلع عليها نيوزيمن، أن أراضي حريب الزراعية استمر عطاؤها إلى مطلع التسعينات وكان الزائر لها يتنقل وسط غابة من أشجار الفاكهة.

عرفت المنطقة تغيرات عميقة منذ العام 1995 وفقا لشهادات تاريخية، بعد أن أخرجت كنوزها من الذهب الأسود، غير أن هذا جلب لها المتاعب بانتشار الأمراض الخبيثة مثل السرطانات والفشل الكلوي.

ويربط السكان هذا التغير بظهور شركات إنتاج النفط الذي بدأ بالعام 1986 حيث يتهم الأهالي شركات الاستكشاف والإنتاج، بعدم اتباع أنظمة السلامة البيئية وتعريض التربة والمياه الجوفية لمخاطر تلوث أفرز أمراضاً قاتله أصابت أبناء حريب.

وشكا أهالي حريب من انبعاثات شركات النفط المختلفة التي تصب جميعها في منطقتهم، إضافة إلى استخدام الشركات النفطية مواد كيميائية ضارة دون تطبيق المعايير البيئية، ودفن نفاياتها في الصحارى المحيطة وتسرب هذه النفايات إلى المياه الجوفية لوادي حريب مما تسبب في تلوث خزان المياه الجوفي وتغير خصائصه، وهذا سبب الكثير من الأمراض كالفشل الكلوي والسرطانات.

ويرصد الأهالي، تغيرات بيئية كثيرة في مناطقهم مع بدء استكشاف النفط، منها ظهور طبقة رمادية إلى سوداء أعلى الكثيب الرملي وتغير لون الأمطار أثناء نزولها وهو ما يصنف بالأمطار الحمضية الناتجة عن تلوث الهواء بغازات سامة.

ويؤكد أطباء أن العديد من الأمراض تنتشر على طول القرى المتواجدة بالوادي، ومن أكثرها انتشارا هو السرطانات بأنواعها والأكثر انتشارا وفق مسح قام به الدكتور عبدالقادر الخراز هو سرطان الدماغ والدم وينتشر بين الأطفال والنساء إلى جانب أنواع أخرى من السرطانات، كما تشهد المنطقة تفشيا لأمراض الفشل الكلوي.

وينتقد السكان المحليون شركات استكشاف وإنتاج النفط، لعدم التزامها بالمسؤولية الاجتماعية، وغياب دورها في مساعدتهم سواء في بناء المشافي والمراكز الطبية التي تخفف عن كاهلهم المتاعب التي سببتها ما تخلفه العمليات النفطية من أمراض وأوبئة وفقا لشكوى قدمت للقضاء اطلع عليها نيوزيمن.

وقال الأهالي، إن الحكومة تتجاهل معاناتهم، الأمر الذي دفعهم لرفع قضية بمحكمة مأرب الابتدائية ضد شركة صافر، طالبوا فيها بإزالة الضرر وتعويض المتضررين وفقا للقوانين الدولية والوطنية.

ويتهم الأهالي، المحكمة بتجاهل القضية المرفوعة أمامها، رغم امتلاكهم الأدلة على ما لحق بهم من أضرار جراء عمليات الاستكشافات وإنتاج النفط في ظل غياب معايير السلامة والأمان، واكتفت المحكمة، بإصدار قرارين، أحدهما منع النشر عن القضية بضغوط من شركة صافر.

وعزز من مطالب السكان المشروعة وحجم تضررهم عملية المسح التي قام فريق بحثي بقيادة الدكتور عبدالقادر الخراز والتي خلصت إلى وصول أكثر من 50 حالة مرضية، خلال شهر واحد فقط وتشكل السرطانات نسبة 70% من هذه الحالات.

عمليات المسح، شملت الأراضي الزراعية وعبر ثلاثة نماذج، هدفت إلى معرفة مدى التدهور الحاصل، وأظهرت النتائج الأولية، أن أسفل وادي حريب الذي يقع بالقرب من مواقع إنتاج النفط فقد تقريباً 70% من الأراضي الصالحة للزراعة، إلى جانب هجرة بعض سكان المنطقة نتيجة لذلك.

وكشفت نتائج المسح عن تغير خصائص المياه الجوفية وزيادة أعماقها التي وصلت في منتصف الوادي إلى 50% وفي أعلى الوادي إلى 40% مع اختفاء كثير من أشجار التين والبرتقال التي تشتهر بها المنطقة إلى جانب اختفاء زراعة أنواع مهمة من الحبوب التي تشتهر بزراعتها المنطقة حتى بداية التسعينات من القرن الماضي.

الأسبوع الماضي حذرت ندوة بمأرب من انتشار الأمراض السرطانية في مديرية حريب بسبب عدم التزام الشركات بالمعايير البيئة في عملية الاستكشاف النفطي.

الندوة التي أقامتها مبادرة "نحيها" حملت الشركات المسؤولية تجاه المجتمع ومعالجة الآثار المترتبة على الصناعات الاستخراجية وتحديد استكشاف النفط بالمحافظة.

وطالبت الندوة الشركات الصناعية العاملة في المجال النفطي والسلطة المحلية القيام بدورها في معالجة الآثار المترتبة على الصناعات الاستخراجية والأضرار البيئة والاقتصادية والتلوث الإشعاعي وإنشاء مركز للأورام السرطانية بالمحافظة.