باصات نقل للنساء في صنعاء.. قرار حوثي بنموذج طالباني محدث
السياسية - منذ ساعة و 52 دقيقة
صنعاء، نيوزيمن، خاص:
أثار قرار جديد أصدرته الإدارة العامة لشرطة المرور في صنعاء الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي موجة جدل عقب إعلان إعداد دراسة شاملة لتخصيص باصات نقل عام مخصصة حصرياً للنساء داخل صنعاء. القرار، الذي قُدّم رسمياً تحت مسمّى حماية المرأة والحفاظ على خصوصيتها وكرامتها، قابلته ردود فعل متفاوتة بين تأييد من مؤيدي الجماعة، وبين انتقادات لاذعة من سياسيين وناشطين وحقوقيين داخل وخارج اليمن.
وخرج القيادي الحوثي بكيل البراشي، المعين في منصب مدير عام شرطة المرور في صنعاء، بمذكرة رسمية إن الدراسة التي وجه بإعدادها تهدف إلى تخصيص باصات للنقل العام للنساء فقط، تشمل تحديد مواصفاتها، وضع العلامات المميزة لها، اختيار السائقين المؤهلين، وتحديد خطوط السير المناسبة، فضلاً عن آليات تشغيل وإشراف دقيقة.
وأضاف أن هذه الخطوة تستند إلى القيم الدينية والأخلاقية اليمنية، وأنها تأتي في إطار حرص "وزارة الداخلية على معالجة الإشكاليات المجتمعية بأساليب عملية ومدروسة". وأكد أن الخدمة ستكون اختيارية في المرحلة الأولى قبل توسيع نطاق تطبيقها لاحقاً.
>> القفز على الأزمات بمعارك “الفضيلة”.. سخرية من مقترح حوثي بتخصيص باصات أجرة للنساء
الداعون للقرار يرى أنه يمكن أن يوفّر بيئة أكثر "آماناً" للنساء في وسائل النقل العام، في ظل ما يصفونه بارتفاع معدلات المضايقات والتحرش في بعض وسائل النقل. بينما آخرون شككوا في الفعالية العملية للخطوة واعتبروها شكلاً من أشكال التقييد الاجتماعي وليس الحل الأمثل للمشكلات القائمة.
وانتقد عدد من السياسيين والناشطين القرار بشدة، واعتبروه تطبيعاً لسياسات تقييدية لا تحل الجذور الحقيقية للمشكلات. وفي هذا السياق، وصف السياسي والسفير السابق نايف القانص الإجراءات التي تعتزمها وزارة الداخلية التابعة لسلطة صنعاء، والتي تقوم على فصل النساء في وسائل النقل وتخصيص باصات لهن بدعوى "تكريم المرأة"، بأنها "نموذج طالباني محدث في اليمن".
وقال القانص في تغريدة له على منصة إكسب تحت عنوان "النموذج الطالباني المحدث في اليمن": "ها نحن نرى طالبان بنسخة يمنية محدثة، لا تأتي عبر فتاوى صريحة، بل عبر إرشادات المرور وادعاءات ‘تكريم المرأة’… امرأة تُفصل عن المجتمع لا لأنها مكرّمة، بل لأنها تُصنَّف خطرًا على القيم، ووسيلة إغراء يجب عزلها، لا مواطنة كاملة الحقوق."
هذه الصياغة أثارت نقاشاً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي، حيث رأى مؤيدون في كلام القانص تحذيراً من تداعيات اجتماعية خطيرة قد تفضي إلى عزل المرأة عن المجتمع بدل تمكينها، بينما اعتبر آخرون أن مثل هذه التعليقات تأتي في سياق حملة سياسية ضد سياسات الجماعة.
ولم تتوقف الانتقادات عند البعد الفكري والسياسي، بل طالت الأشخاص الذين رُبطت فكرتهم بهذا القرار. فقد أكد الكاتب والسياسي محمد المقالح في منشور على منصة إكسب أن الشخص الذي اقترح فكرة تخصيص باصات للنساء وأخرى للرجال "معروف بسلوكه غير الملائم داخل المؤسسة التي يعمل فيها"، حسب قوله. مضيفاً: "أقول لك حقيقة هذا الشخص الذي اقترح عمل باصات للنساء وأخرى للرجال معروف بسمعته الطيبة جداً في المؤسسة التي يعمل فيها، حتى إنه لم يترك موظفة إلا وراسلها، بمن فيهن الشغالات، وقد رفعت به شكاوى متعددة إلى رئيس المؤسسة دون فائدة."
وأضاف المقالح بسخرية: "عرفت كيف واحد يخاف على نفسه من غواية المرأة في باصات النقل الجماعي؟ نسى أن المشكلة هي في سائق التاكسي الخصوصي وليس في باصات النقل الجماعي." هذا النوع من الانتقاد الشخصي أثار موجة من الجدل حول ربط السياسات العامة بسِيَر وظروف أفراد، وما إذا كان هذا له تأثير على تقييم القرار ذاته.
كما ندّد الناشط اليمني مجدي عقبة بالإجراءات الأخيرة، معتبراً أن القرار يعكس عقلية اعتباطية لا تراعي واقع المجتمع اليمني ولا احتياجاته الأساسية. وفي تعليق له على منشور لمذكرة المرور في صنعاء قال عقبة: "ما كان قد كتبته قبل عامين على سبيل المزاح حول احتمال فرض الفصل بين الجنسين في المواصلات العامة أصبح اليوم واقعاً؛ "طيب والذي يخرج مع عائلته كيف يعمل؟ يركب في باص الرجال وعائلته في باص العوائل؟"
وأشار عقبة إلى أن السلطات تبرر القرار بأنه "اختياري"، إلا أن الواقع الاجتماعي قد يجعل المرأة التي تختار ركوب الباصات العامة مع الرجال مُعرَّضة للوصم واتهامها بأنها "غير محترمة"، مما يفتح الباب أمام فرز اجتماعي خطير بين "المحترمات وغير المحترمات"، حسب قوله.
ورأى أن المنطق الأفضل كان يتطلب دعم وسائل النقل العامة أو توفير باصات مجانية أو مدعومة من الدولة، كما هو معمول به في دول عديدة، بدلاً من فرض قيود اجتماعية لا علاقة لها بتحسين الخدمة أو تخفيف معاناة المواطنين.
وأضاف ناقداً ما وصفه بـ "تفكير محصور بين السرة والركبة"، مؤكداً أن هذه النوعية من القرارات تجعل الشعب يشعر بأنه غير محترم وأن السلطة وحدها هي التي تمنع انتشار الفساد. وفي منشور آخر شبه عقبة الوضع الذي تريد السلطة فرضه على المجتمع بشخص مريض يشك في أهله، فيحوّل حياته وحياة من حوله إلى جحيم، قائلاً: "لا هو مرتاح ولا أهله مرتاحين."
ويثير القرار تساؤلات حول آثاره المحتملة على الحياة اليومية للمواطنين، خاصة في ظل ضعف البنية التحتية لقطاع النقل العام في صنعاء، وارتفاع الطلب على وسائل النقل المتاحة. ويرى محللون أن القرار قد يؤدي إلى زيادة تعقيد جهود تحسين النقل العام وإضافة أعباء جديدة على الأسر التي تحتاج إلى التنقل الجماعي بأسعار معقولة، بالإضافة إلى مواجهة فراغات تنظيمية في تطبيق القرار على أرض الواقع.
>
