أحكام الإعدام الحوثية.. محاكمات صورية وقضاء مسيّس يستهدف المدنيين

السياسية - منذ 47 دقيقة
صنعاء، نيوزيمن، خاص:

أدانت منظمات حقوقية وإنسانية محلية ودولية، سلسلة أحكام الإعدام التي أصدرتها محكمة خاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي في صنعاء بحق 17 مدنياً، معتبرة أن هذه القرارات الصادرة عن "محكمة منعدمة الولاية" ليست سوى أدوات قمعية تُستخدم لتصفية الخصوم السياسيين وترهيب المجتمع. وأكدت المنظمات أن التهم الموجهة للضحايا "كيدية وملفقة" وأن المحاكمة افتقرت لأبسط قواعد العدالة والإجراءات القانونية.

وتأتي هذه الأحكام في سياق حملة اعتقالات واسعة نفذتها ميليشيا الحوثي منذ منتصف العام الماضي، استهدفت ناشطين مدنيين وموظفين محليين يعملون في المنظمات الدولية بعد الغارات الأمريكية والإسرائيلية، حيث اتهمتهم الجماعة بالانتماء إلى "شبكات تجسس".

وشملت قائمة المحكوم عليهم بالإعدام 17 شخصاً، بينهم شقيق مسؤول قضائي بارز، في حين حُكم على اثنين آخرين بالسجن لسنوات. وتعد هذه أول محاكمة من نوعها للدفعة الواسعة من المحتجزين منذ حملة الاعتقالات الأخيرة، والتي تقول منظمات حقوقية إنها رافقتها عمليات تعذيب وابتزاز وتهديد لأسر الضحايا.

مقصلة بعباءة القضاء

شدّد وكيل وزارة العدل اليمني، القاضي فيصل المجيدي، في تعليق لاذع، على أنّ الأحكام التي أصدرتها محكمة الحوثيين ليست سوى "مقصلة بعباءة قضاء"، مؤكداً أن المحكمة التي تولّت إصدار هذه القرارات "منعدمة الولاية أصلاً" منذ نقل اختصاصاتها رسميًا إلى محافظة مأرب بقرار مجلس القضاء الأعلى عام 2018. وأشار إلى أن استمرار عملها يمثل انتهاكًا صريحًا للقانون، وتحايلاً مكشوفًا لتسخير القضاء في خدمة أجندة سياسية وقمعية.

وأوضح المجيدي أن إجراءات المحاكمة كانت صادمة بسطحيتها وسرعتها، إذ لم تتجاوز أربع جلسات فقط، جرت جميعها في أجواء مغلقة تفتقر إلى الشفافية والعلنية، دون تمكين المتهمين من حقهم في الدفاع، أو السماح لمحاميهم بالحصول على نسخة من ملف القضية – وهو حق قانوني أساسي في أي محاكمة عادلة. وأكد أن بعض المحامين تلقوا تهديدات مباشرة أجبرتهم لاحقاً على حذف منشورات كانوا قد نشروا فيها تفاصيل خطيرة عن مجريات القضية.

وكشف المجيدي أن أحد المتهمين وقف أمام القاضي عارضًا آثار تعذيب بدت واضحة على جسده، إلا أن المحكمة تجاهلت ذلك بصورة كاملة، الأمر الذي يؤكد – بحسب قوله – أن الحكم كان "معدًا مسبقًا"، وأن المحاكمة لم تكن سوى إجراء شكلي لتجميل قرار إعدام اتُّخذ سلفًا.

وفي سياق تفنيده لاتهامات الحوثيين بوجود "خلية تجسس بإشراف أجانب"، تساءل المجيدي بسخرية مريرة: "أين هؤلاء الأجانب الذين تحدثت عنهم الميليشيا؟ ولماذا لم يُعرضوا أو تُكشف أسماؤهم؟"، مؤكداً أن غياب أي أدلة واقعية أو مضبوطات أو اعترافات حرة يجعل من الرواية الحوثية "مجرد سيناريو مفبرك يفتقر إلى أبسط مقومات المنطق."

وختم المجيدي بالقول إن ما حدث ليس سوى "إزهاق لأرواح الأبرياء في غرفة مظلمة وظيفتها شرعنة القمع"، مشيراً إلى أن هذه الأحكام تمثل استمرارًا لنهج تديره سلطات الأمر الواقع في صنعاء، يقوم على استخدام القضاء كأداة سياسية لإسكات الأصوات وإرهاب المجتمع.

اعترافات انتُزعت تحت التعذيب

من جانبها، أصدرت منظمة شهود لحقوق الإنسان بيانًا حادّ اللهجة أدانت فيه المحاكمة ووصفتها بـ"المسرحية الصورية". وأكدت المنظمة أن المتهمين تعرضوا لأساليب قمعية شديدة أثناء احتجازهم: إخفاء قسري، وتعذيب قاسٍ، وانتزاع اعترافات بالإكراه. تقول المنظمة إن هذه الاعترافات لم تكن وليدة قناعة أو عملية قانونية حقيقية، بل نتيجة الضرب والتهديد والضغط النفسي.

وأضاف البيان أن المتهمين أُجبروا على الظهور في وسائل إعلام تابعة للحوثيين قبل صدور الأحكام، في محاولة ممنهجة من الجماعة لتقديم محاكمة مزيفة أمام الجمهور على أنها عملية قانونية عادلة، بينما في الواقع تُدار كأداة للترويج لأطروحاتها الأيديولوجية.

وطالبت منظمة شهود المجتمع الدولي، ولا سيما الأمم المتحدة والمبعوث الأممي إلى اليمن، بالتدخل الفوري لمنع تنفيذ هذه الأحكام. وجّهت المنظمة دعوة إلى فتح تحقيق دولي مستقل في ما وصفته بـ"استخدام خطير للقضاء كأداة لتصفية سياسية"، مؤكدة أن هذه الممارسات تمثل تهديدًا مباشرًا لحقوق الإنسان الأساسيّة وترسخ مناخ الخوف والاضطهاد في المناطق التي تخضع لسيطرة الحوثيين.

من جانبه أدان تحالف نساء من أجل السلام في اليمن هذه الأحكام التي قال إنها صدرت في محاكمة لم تتجاوز أسبوعين. وأكد البيان أن ميليشيا الحوثي تستغل القضاء لفرض سيطرتها وترهيب المجتمع، وأن المتهمين حُرموا من حقوقهم الأساسية كالتمثيل القانوني والدفاع.

وحذّر التحالف من خطورة تنفيذ الإعدامات، باعتبارها "فعلاً عقابياً خارج إطار القانون الدولي الإنساني"، داعياً المجتمع الدولي لوقف ما وصفه بـ"تغوّل الأجهزة القضائية الحوثية على حياة المدنيين."

امتدادات للإرهاب 

ويرى مراقبون أن هذه المحاكمة ليست إلا امتداداً لسلسلة محاكمات صورية تنفذها ميليشيا الحوثي منذ سيطرتها على صنعاء، حيث أصدرت أحكاماً بالإعدام بحق صحفيين ومعارضين وأكاديميين، في مسار يؤكد تسييس القضاء واستغلاله كأداة لتصفية الحسابات وترويع المجتمع. كما ترتبط هذه الأحكام—بحسب مختصين—بالأزمة الاقتصادية والإنسانية الخانقة التي تشهدها مناطق سيطرة الحوثيين، حيث تلجأ الجماعة إلى سياسة "تكميم الأفواه" لمنع تفاقم الاستياء الشعبي.

وحذّرت منظمات حقوقية يمنية ودولية من أن تنفيذ الإعدامات سيشكل سابقة خطيرة، ويزيد من تقويض الثقة بالنظام القضائي في البلاد. كما دعت إلى فتح تحقيق دولي محايد حول الانتهاكات التي لحقت بالمعتقلين منذ لحظة القبض عليهم وحتى لحظة إصدار الحكم.

وأكدت أن هذه الخطوة قد تمهّد لموجة جديدة من أحكام الإعدام بحق محتجزين آخرين، في ظل غياب أي رقابة على السجون الحوثية التي تشهد انتهاكات موثقة تشمل التعذيب، الإخفاء القسري، الابتزاز المالي، وتجنيد المعتقلين قسراً.

و يتزايد القلق الحقوقي في اليمن من تحويل القضاء الخاضع للحوثيين إلى أداة انتقام تُستخدم لتصفية الخصوم، وسط غياب كامل لضمانات المحاكمة العادلة، واستمرار توظيف الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب كأدلة للإدانة. ومع هذا التصعيد، تتصاعد الدعوات الدولية لوقف تنفيذ أحكام الإعدام فوراً، وإنقاذ حياة المدنيين، ومحاسبة المتورطين في الانتهاكات التي ترتقي إلى جرائم حرب.