تسجيلات مصوّرة تكشف تهريب وبيع قطع أثرية نادرة في مزادات عالمية
السياسية - منذ ساعتان و 48 دقيقة
مع ضعف سلطة الدولة بسبب الحرب العبثية التي تقودها ميليشيا الحوثي الإيرانية، تتعرض الذاكرة الحضارية لليمن لعملية استنزاف ممنهجة، حيث لم يعد خطر التهريب مقتصرًا على تهريب البشر أو الأسلحة، بل امتد ليطال أعمدة الهوية الثقافية والتاريخية للبلاد، متمثلة في الآثار والمقتنيات النادرة التي تعود لآلاف السنين.
هذه القطع، التي تحمل بصمات حضارات اليمن القديمة، أصبحت سلعة في مزادات عالمية، تُباع وتُشترى بعيدًا عن أرضها الأصلية، في مشهد يلخص حجم الفجوة بين جهود الحفاظ على الإرث الوطني وواقع الفوضى التي أتاحت تهريبه.
وخلال اليومين الماضيين نشر الباحث المتخصص في شؤون الآثار اليمنية، عبدالله محسن، عبر صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" تسجيلين مصورين من موقع "تايم لاين للمزادات" يظهران قطعتين أثريتين برونزيتين من اليمن، تعودان إلى ما قبل الميلاد، وتُعرضان للبيع العلني في الخارج.
القطعة الأولى هي تمثال برونزي بوزن 380 جرام، من القرن الأول قبل الميلاد، يحمل نقشًا بخط المسند ويجسد رجلًا وامرأة في وضع حميمي. وبحسب الدكتور فيصل البارد (2024م)، فإن هذا النوع من التماثيل كان يُستخدم كتقدمة نذرية للتكفير عن خطيئة الزنا، تُوضع في المعابد كقربان اعتراف علني بالذنب وطلبًا للتوبة.
أما القطعة الثانية فهي وعاء برونزي يرجح أنه من القرن الثالث قبل الميلاد، مزخرف بمشهد صيد ونقوش مسندية بارزة، حيث يظهر وعل هارب يهاجمه "غريفون" أو "الفتخاء" – وهو كائن أسطوري نصفه أسد ونصفه عقاب – وخلفهما رامي سهام في وضع القرفصاء، إضافة إلى وردة مركزية ونقوش داخلية وخارجية. هذا الوعاء مرّ عبر عدة مجموعات خاصة، بدءًا من مجموعة صالح الألمانية عام 1970، ثم مجموعة بريطانية لاحقًا، وخضع للفحص في قاعدة بيانات الإنتربول للأعمال الفنية المسروقة، حيث أُرفق بشهادة بحث رسمية.
وتكشف هذه القضية فجوة خطيرة، إذ لم تسجّل الحكومات اليمنية المتعاقبة سوى قطعة واحدة فقط في قاعدة بيانات الإنتربول، فيما تجري حاليًا جهود بقيادة السفير الدكتور محمد جميح وفريقه لتسجيل عشر قطع من مفقودات متحف عدن الوطني تلبية لمتطلبات "متحف اليونيسكو الافتراضي".
ويشير خبراء الآثار، مثل أوفرليت وب. ويول (2018م)، إلى أن الأواني البرونزية المزخرفة من العصر الجاهلي الحديث وُجدت أيضًا في مناطق أخرى مثل مليحة والدور في الإمارات، وتشترك في عناصر فنية شامية، وموضوعات عربية محلية كركوب الإبل والخيول، ما يجعل القطع اليمنية المهربة جزءًا من سياق حضاري إقليمي غني، لكنها تبقى شاهدة على هوية يمنية فريدة مهددة بالضياع.