لا كهرباء ولا غاز.. عدن تغلي على نار الأزمات وسط عجز حكومي

الجنوب - منذ 5 ساعات و 45 دقيقة
عدن، نيوزيمن، خاص:

تشهد العاصمة اليمنية عدن موجة من الغضب الشعبي، بعد تفاقم أزمة الكهرباء والغاز المنزلي منذ أكثر من أسبوعين، في ظل ما يُوصف بعجز حكومي واضح عن تقديم حلول واقعية للأوضاع المتدهورة التي تزامنت مع ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية تجاوزت 40 درجة مئوية.

وفي مشهد أعاد للأذهان احتجاجات سابقة، خرج العشرات من أبناء عدن، الاثنين، إلى شوارع رئيسية في عدة مديريات بينها الشيخ عثمان، وقطعوا الطرقات وأشعلوا الإطارات ومنعوا حركة المرور، تعبيرًا عن سخطهم المتزايد تجاه انعدام الخدمات الأساسية، وعلى رأسها الكهرباء والغاز المنزلي، في وقت تعيش فيه المدينة أوضاعًا معيشية صعبة، وسط موجة حر غير مسبوقة.

وأكد المحتجون عزمهم على مواصلة التظاهر في حال استمرت السلطات في تجاهل مطالبهم، ملوحين بتصعيد الاحتجاجات في الأيام المقبلة إذا لم تُتخذ خطوات فورية وملموسة لوقف الانهيار الخدمي.

وتعاني عدن من انقطاعات متواصلة في التيار الكهربائي، تجاوزت الـ 18 ساعة يوميًا، مما فاقم معاناة السكان، لا سيما المرضى وكبار السن، في ظل غياب أي برامج لتوزيع الكهرباء بشكل عادل، وعدم وجود جدول زمني واضح للتخفيف من آثار الأزمة.

وتعود الأزمة بحسب مصادر في مؤسسة كهرباء عدن إلى توقف تزويد محطة بترومسيلة – وهي المحطة الرئيسية في المدينة – بالوقود الخام، نتيجة احتجاجات عمالية اندلعت في قطاع "العقلة" بمحافظة شبوة، حيث أعلنت اللجنة العمالية في القطاع S2 عن إيقاف توريد أربع مقطورات يوميًا من الوقود ابتداءً من الأحد 22 يونيو، احتجاجًا على تجاهل الحكومة لمطالبهم المتعلقة بترتيب أوضاعهم القانونية والمالية، عقب انسحاب الشركة المشغلة السابقة "OMV" دون ضمان حقوق العمال.

وأكدت مذكرة رسمية وجهتها اللجنة العمالية إلى وزير النفط والمعادن بتاريخ 11 يونيو الجاري، أن انسحاب الشركة النمساوية OMV تم دون مراعاة الشروط الجزائية لعقد التشغيل، ومنها ضمان حقوق العاملين ومعالجة الأضرار البيئية في المنطقة.

ورغم إصدار رئيس الوزراء الدكتور سالم بن بريك توجيهات تقضي بتنفيذ خطة طارئة لضخ كميات من النفط الخام من خزانات قطاع العقلة، ونقله إلى محطة الكهرباء في عدن، إلا أن الخطوة ظلت حبرًا على ورق بعد تنفيذ العمال تهديداتهم ووقف ضخ الوقود فعليًا.

كما أصدر وزير النفط والمعادن الدكتور سعيد الشماسي توجيهات يوم 13 يونيو بزيادة عدد مقطورات الوقود المخصصة لمحطات الكهرباء في عدن من 8 إلى 12 مقطورة يوميًا، على أن تُستأنف الإمدادات من حضرموت وشبوة، لكن هذه التوجيهات تعثرت مع استمرار الأزمة العمالية وغياب الحلول الجذرية.

وتشير مصادر مطلعة إلى أن الحكومة بدأت اتصالات مع شركة OMV لإعادة التفاوض بشأن تشغيل القطاع (S2)، إلا أن المؤشرات الأولية لا توحي بتوصل الطرفين إلى اتفاق قريب، في ظل توقف الإنتاج في هذا القطاع منذ أكتوبر 2022، وانسحاب معظم الشركات الأجنبية من البلاد.

بالتوازي مع أزمة الكهرباء، تعيش عدن أزمة غاز منزلي خانقة، حيث أغلقت معظم محطات التعبئة أبوابها بسبب نقص الكميات الواصلة من حقول الإنتاج في محافظة مأرب، جراء احتجاجات قبلية تقطع خطوط إمداد ناقلات الغاز.

ويتهم ناشطون محليون مسؤولين في القطاع بضلوعهم في عمليات تهريب منظمة للغاز إلى مناطق سيطرة الحوثيين التي تعاني من عجز في الغاز المستورد من إيران، نتيجة تعطل الموانئ في الحديدة والعقوبات الأمريكية المفروضة على شركات الاستيراد والنقل.

في هذا السياق، قال المواطن جلال الخضر، وهو من أبناء مديرية البريقة ويعمل سائقًا لحافلة نقل صغيرة: "أضطر للخروج منذ الفجر كل يوم بحثًا عن لترات من الغاز لتشغيل الحافلة. أحيانًا أضطر للوقوف في طوابير أمام محطات التعبئة في عدن أو التوجه إلى لحج. لقد قسمت أيامي بين التعبئة والعمل، وهذا زاد من معاناتي كثيرًا".

وأضاف: "حتى حين أعود إلى المنزل بحثًا عن قسط من الراحة، أفاجأ بأن الكهرباء مقطوعة لساعات طويلة، ولا تصل إلا لفترتين لا تتجاوز كل واحدة منهما الساعة الواحدة".

وفي تصعيد لافت، خرجت خلال الأسابيع الماضية عدد من النساء في مديرية المعلا في تظاهرات نسوية، طالبت بوقف تدهور الخدمات الأساسية، خاصة الكهرباء والمياه، ورفع المشاركات شعارات تطالب المجلس الرئاسي والحكومة المحلية بالتحرك الجاد، بدلًا من الاكتفاء بالتصريحات الصحفية التي لا يلمس المواطن أثرها على الأرض.

وقالت إحدى المحتجات: "نريد حلاً لا وعدًا… سئمنا من المعاناة، الكهرباء تنقطع، المياه لا تصل، الغاز غير متوفر، والأسعار تشتعل يومًا بعد يوم. لم نعد نحتمل".

في ظل غياب الحلول المستدامة، وتصاعد الاحتجاجات، وغياب التنسيق بين الجهات المعنية، تبدو عدن على مشارف أزمة خدمية وإنسانية أوسع نطاقًا. فالأوضاع لا تنذر بانفراجة قريبة، والاحتجاجات الشعبية قد تتوسع لتشمل شرائح أوسع في حال استمر التجاهل الرسمي.

ويحمّل كثير من المواطنين الحكومة والمجلس الرئاسي مسؤولية التدهور المتواصل، مطالبين باتخاذ قرارات عاجلة وفعالة تضمن تأمين الحد الأدنى من الخدمات، وتضع حدًا لحالة التراخي والشلل الإداري الذي فاقم معاناة السكان، في واحدة من أكثر مدن اليمن اكتظاظًا بالسكان، والتي تعاني منذ سنوات من أزمات مزمنة في البنية التحتية والخدمات الأساسية.