عبدالستار سيف الشميري

عبدالستار سيف الشميري

تابعنى على

هل فشلت المبادرة السعودية؟

Friday 06 August 2021 الساعة 08:38 am

المملكة السعودية لها ثلاث مبادرات تخص اليمن، الأولى نجحت جزئيا بتسليم السلطة لهادي والثانية نجحت بشكل ما في إيقاف الصراع في الجنوب وقبول المجلس الانتقالي كشريك وكممثل رئيسي عن الجنوب وربما أنها تتعثر في منتصف طريقها الحالي لا سيما الشق العسكري منها، لكنها شكلت خارطة طريق وإضافة جديدة للمرجعيات اليمنية وفتحت آفاق حوار أشمل بمرجعيات جديدة وتعديل ما سبق في ضوء رفض الانتقالي لمخرجات الحوار الوطني، كونها بحسب الانتقالي لا تعبر عن حقوق الجنوب وطموحاته وكونهم ليسوا شركاء في التوافق عليها وصياغتها، وقبل شهر أطلقت السعودية مبادرتها الثالثة باتجاه الحوثيين، حيث هم المعني بها، وباتجاه رغبات السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة التي تقوم على فرضيات خاطئة بأن الحوثي يمكن أن يكون شريكا في السلام والدولة اليمنية، وأن إيران يمكن أن تقدم تنازلات إذا هي حصلت على بعض الترضيات الأمريكية في ملفها النووي والاقتصادي.

مقاربة "بايدن" تختلف عمّا اعتاده ترمب والجمهوريون وغالب الظن أنه تم الإيعاز للرياض على التقدم بمبادرة توقف الحرب حفاظا على العلاقات الأمريكية السعودية المتينة. وما هي احتمالات النجاح كونها مبادرة بضغوط أمريكية وأمنية، أم انها ستبقى مناورة سياسية ناجحة للتحالف والشرعية لإقامة الحجة والعودة لخيار الحرب والحسم العسكري وإن طال مداه وعظمت كلفته.

 لا شك أن هناك بعض إيجابيات للمبادرة، حيث نقلت الملف اليمني إلى قلب السياسة الخارجية الأمريكية وأحدثت فيها أثرا ونشاطا تجاه الملف اليمني وخففت الضغط والابتزاز الأمريكي للسعودية بدواعي الإنسانية وغير ذلك، وجعلت السياسة الجديدة لإدارة "بايدن" تجاه الحوثيين وإيران محل اختبار، ويمكن استثمار الرفض والتسويف الإيراني الحوثي إلى المطالبة لتحالف دولي أشبه بالتحالف ضد داعش، مع وجود صعوبات كثيرة في ذلك، لكن من الأهمية المطالبة به ولو سياسيا في حالة التعنت الإيراني والانتقال من مربع المتهم إلى مربع المدافع المطالب المجتمع الدولي بالقيام بواجباته بعد أن يأخذ وقته في ممارسة كل أوراق الضغط وجولات الحوار الذي سيكتشف أنها عبثية مثل سابقاتها في استكهولوم وغيره.

من المبكر القول إن المبادرة قد فشلت تماما ولم تحقق شيئا نسبيا كالمبادرتين السعوديتين المشار إليهما، حيث حققتا نسبيا شيئا من نجاح أو خفض معدل الأزمة بدرجة ما، لأن الأطراف اليمنية المعنية كانت أطرافا سياسية بظهير عسكري، وهو ما يختلف مع الجماعة الحوثية التي هي جماعة حربية تدثر بغطاء أو مكتب سياسي بالإضافة أنها ورقة خارجية تحمل طموحات ومصالح إيرانية بالغة التعقيد لا يمكن أن تترك بمجرد ضغط أمريكي او تنازلات بسيطة في عين الولي الفقيه، لا سيما بعد الاتفاق الاقتصادي الإيراني الصيني الذي أعطى الإيرانيين فسحة جديدة وتنفيسا نحو الصين في شريانها الاقتصادي.

كانت فداحة المأساة الإنسانية، هي السبب الذي من أجله تصاعدت الضغوطات الدولية دبلوماسياً وإعلامياً لإنهاء الحرب، وإطلاق المبادرة السعودية، رغم أن المنظمات الدولية لم تسهم بفعاليه في التخفيف منها وذهبت لتقايض في ملفات اليمن بملفات إيران القديمة والجديدة.

 الإيرانيون والحوثي في أحسن تجاوبهم لوقف إطلاق النار يضعون شروطاً قبل الذهاب إلى موائد الحل السياسي تبدو تعجيزية وتصريحات العمانيين المتفائلة ربما لن تبلغ على المدى القريب إلى حل حقيقي يثمر عن شيء ملموس، لكنها تعبر قبل كل شيء عن العلاقات الاستراتيجية لمسقط مع إيران والسعودية وأمريكا معا وقدراتها على الحوار معهم جميعا، ولها سوابق كثيرة، أهمها التمهيد لاتفاق حول المشروع النووي الإيراني.

لكن ستبقى هذه القدرات على طاولات الحوار ولن تؤثر كثيرا على مسار الحرب والجبهات، وأكثر ما يمكن بلوغه هو اختراق بعض الجوانب الإنسانية كقضية الأسرى وإدخال السفن عبر ميناء الحديدة وغيره وهي بالمحصلة النهائية تفيد المليشيا أكثر منها لليمنيين.

 الرفض الإيراني للمبادرة على لسان سفيرها لدى الحوثي في صنعاء قد يبدو للبعض ليس موقفا نهائيا بل تكتيك تفاوضي لتحسين المراكز قبل الدخول في المسار السياسي والتوافق عليه. بمعنى آخر نوع من الاستثمار السياسي لضعف الشرعية وعدم قدرتها على الحسم العسكري وترنح مأرب تحت الضربات الحوثية والاستنزاف في جبهات أخرى.. صحيح أن هذا الاستنزاف لجميع الأطراف لكن الحوثيين يصرفون على المعارك من رصيد دماء الأبرياء والبطالة ويحشدون كل المستضعفين ومصروفاتهم من أموال اليمنيين ودعم إيراني ليس منهكا لإيران، وحسابات خسارتهم في الاستنزاف لا تصل لحسابات باقي الأطراف، وهذه معضلة أخرى في ميزان توازن الضعف الذي يفضي أحيانا بالأطراف للرضوخ لعمليات السلام، بحوار وحل سياسي.

وخلاصة القول:

يصعب الخروج من الحرب في اليمن في القريب بحل سياسي منطلق من مبادرة سواء أكانت منطلقة من حسن النوايا السعودية أو كانت من ثقل الضغوط الأمريكية أو كانت من "ثقوب" مسقط ما لم تكن مدينة الحديدة والميناء قد أصبحت ضمن خارطة الشرعية، وما لم تكن مدافع الشرعية تصل إلى صنعاء، فطاولات الحوار لا تعطيك إلا بالقدر الذي يصل إليه مدفعك في الجغرافيا فقط. حينها ستكتب تاريخك على ترابك وستكون الحلول ممكنة..

إن الله مع صاحب المدفع الأقوى.