في مهجل الليل وهو يستبيح روحه بكل ما يمكنه من أثقال الوجع والألم، يحاول الشخص النبيل "نبيل" أن يكمّد روحه التي تنزف، بقماش مبللة بالنجوى، يكتب عن بلاده الضائعة بألم النازح والمشرَّد، ويعجز أن يكتب نحيب روحه التي لم تتوقف عن بكاء رحيل ابنته إلى ربها، أولئك الذين فقدوا أحبتهم يدركون كم هي الحياة مؤلمة والروح تنزف وتتلاشى من الداخل.
أقف إلى جوارك يا نبيل في ما أنت فيه من تراكم الأوجاع، أقف وليس لي حيلة إلا الكتابة في هذه البلاد، أشد على قلبك المصهور بوحدة الذات والعتاب العاطفي، أقف إلى جوارك كجندي في مواجهة الساقطين في وحل رذائلهم وهم يهاجمونك في وجعك وألمك بعد أن عجزوا عن مواجهتك بالعقل والمنطق.
يهاجمونك بعد أن تعبوا عن مواجهتك، سقطوا وقد تخلت عنهم ضمائرهم، تجردوا من عواطفهم وإحساسهم، وليس لهم من وسيلة لتلتفت لسقوطهم إلا إذكاء جرحك وبعثه من مقامه في الروح، لعلك تمنن عليهم برد أو لفتة حانية، إنها وسيلة الذئاب التي عجزت عن اصطياد فريستها، فلا تكن من المتلفتين إليهم.
بعد أن أثخنوا الجسد بالجروح، وفشلوا في إركاع عنفوانك، رأوا أن غرزةً في روحك يمكن لها أن تضعف وقوفك، فاتجهوا إلى رمي سهام حقدهم، وإشعال ذكرى اختيار الله لوفادة ابنتك، ظناً منهم أن إيمانك أضعف من أن يجبر الله روحك ويمنحك من قوته وصبره لمواجهة هؤلاء الساقطين، فأنت وحدك جبهة عصية على الهزيمة، مقاتل لا يلين، يحشد قلمه كألف مقاتل وينتصر.
وأنت تقاتل في سبيل بلاد أضعناها، نعرف أنك تواجه أشرس المعارك مع روحك وذاتك، لا الليالي في حلمك صافية، ولا النجوم مرصعة في سماء حزنك، وفي ظل هذا النزف للروح، لا تترك فرصة للساقطين أن يوهنوا من عزيمتك.
إلى ربك يا نبيل جميعنا راجعون، وإليه ترحل أرواحنا بعد أن تأخذ ما أراد لها من الحياة، دع روحك تبتل بما شاءت من فيض دمعك وحزنك، لكن لا تترك فرصة لكسرك، ونحن نخوض معركة البلاد التي أضعناها بسبب هؤلاء الساقطين.