الحديث في السياسة يجب أن يكون بمعزل عن العاطفة، وخاصة في القضايا التي تتاجر بها بعض الجماعات التي ترى أنها وصية على الاسلام وانها حاملة لواء النصر، ولكنها تستخدم كل القضايا المصيرية من أجل الوصول إلى السلطة والمال، فلسطين قضية دسمة للمتاجرة، أنهكت الشعوب العربية وسلبت أموالهم وبلدانهم في سبيل تحريرها، ومنذ أربعين عاماً لم يحدث شيء.
حزب الله يحكم لبنان ويوغل في تعذيب اللبنانيين وهدم دولتهم بسلاحه، يريد أن يكون كل شيء وما سواه عدو يتبع إسرائيل، لكنه في الوقت ذاته يبطش باسم المقاومة وينهب ويهدم ويعرقل باسم الدفاع عن فلسطين، تتحرك إسرائيل في تثبيت نفسها وإقامة دولتها، ويتحرك حزب الله في هدم لبنان وتحويله إلى بلد جائع وفاشل.
من حماس إلى حزب الله إلى الحوثي، تتوعد تلك الجماعات التي تتبع إيران وتركيا بمحو إسرائيل من الوجود، تلك التهديدات تم تطبيقها بمحو اليمن ولبنان وفلسطين، اليمن يعيش نكبته وحالته المزرية، ولبنان يعيش مراثيه وأحزانه الطويلة، وفلسطين تعيش على ضفتين وجماعات متقاتلة ومتخاصمة، وكلها لا تبحث من فلسطين إلا شماعة لتحقيق مآربها.
يحتفل الإخوان بأردوغان كصانع مجد لهم، يحملونه على أكتافهم وعلى كتفه العلم الإسرائيلي، وفي يده يصافح شارون، لا يذكرون أمامه فلسطين، ولا يجرؤون على نعته بالخائن، فلسطين أمامهم هي السلطة وجمع التبرعات لاستثمارها في تركيا باسم فلسطين.
وعندما وطأت قدم نتنياهو قصر السلطان قابوس، رفع الحوثيون صور قابوس في شوارع صنعاء، واعترفوا بفضله عليهم، ولم ينكروا عليه استقبال رئيس وزراء إسرائيل، ولم ينتقدوا جلالته أو ينعتوه بالخائن، لأن فلسطين ليست قضيتهم المركزية كما يدّعون، فقط يبحثون تثبيت أقدامهم كسلطة في صنعاء باسم فلسطين.
لماذا هاجم البعض دولة الإمارات بإبرامها اتفاق علاقة ثنائية مع إسرائيل، ولم يهاجم سلطنة عمان أو تركيا أو قطر!! المتاجرة هي لعبة في قاموس من يوهمون الشعب أنهم يدافعون عن فلسطين، لو كانو كذلك، لكانت فلسطين مبدأ لا يتجزأ في تعاملهم السياسي والإعلامي.
هي السياسة لا العواطف، وفلسطين يكفيها متاجرة من أولئك الذين يرون فيها فرصة للوصول إلى السلطة ثم يعترفون بإسرائيل، لكن في سياق مبررات وحجج يحاولون من خلالها أن يخدعوا أتباعهم، أو تبقى قضية من خلالها يشربون الدم العربي وينهبون أموال الشعوب دون تحقيق شيء من أجل فلسطين..