عبدالستار سيف الشميري
منذ 2011 حتى اليوم.. ما الذي تبقى من اليمن؟
منذ العام 2011 وتحديداً من اليوم الذي التحق فيه علي محسن والإخوان والحوثي بحركة شباب فبراير وافتتحوا مشاريع الاغتيال والدم وحولوها من حركة سلمية إلى عمل عصابات ومليشيات.. ثم مواجهات دامية، ثم حكومة فساد، ثم حرب، مسلسل دموي طويل.
خلال فترة تسع سنوات كان العد التنازلي يهبط باليمن أرضاً وانساناً إلى الهاوية، ومنذ ذلك اليوم هل تبقى من اليمن شيء على مستوى الدولة أو الخدمات.
تبدو الفاتورة باهظة، فكل مكتسبات اليمنيين التي تم بناؤها منذ عام 1962 في ثورة 26 سبتمبر ثم ثورة 14 أكتوبر، تلاشت أدراج الرياح.
كان لدينا وطن به بعض الخدوش لكنه كان وطناً بكل معنى الكلمة، فيه الأمن والأمان وبعض من الحرية وكثير من الحلم، لم يكن الأمر على يرام وعلى ما نتمنى لكنه كان وطناً يسع الجميع على كل ما فيه من ظلم وفساد.
كانت كل المدن اليمنية رحيبة رغم قساوة بعض الحياة، كان الوضع الاقتصادي ليس على ما نريد لكنه لم يكن بعيداً عن بلاد عربية كثيرة تفوقنا رقياً وقدرة كمصر والسودان وسوريا ولبنان وغيرها الكثير.
عندما كنا نسافر لا نجد ذلك البون الشاسع بيننا وبينهم حتى أفق الحريات والسياسة كانت لدينا أوسع، كنا نكتب ونشتم وننتقد دون أن نخشى أن يتم اغتيالنا أو طردنا من البلد.
لست مع القول إن فبراير لعنة، الحقيقة أن اللعنة هم الذين تسلقوا عليها.
لقد شكلت فبراير والسنوات التسع التي تليها فرصة تاريخية للإخوان والحوثي للانقضاض على تاريخ ومكتسبات ثورة سبتمبر وأكتوبر، وتماهت الأحزاب السياسية بصمتها وضعفها مع هكذا إرادة.
في الحقيقة إن التسع السنوات بددت الوطن اليمني، مزقته إربا أرضا وإنسانا، جغرافيا وتاريخا، دمرت كل مقدراته وزرعت الضغائن واوجدت وقائع جديدة لا يمكن فكها وتغييرها.
لم يبق شيء كما كان ولم يبق بالإمكان اصلاح ما تم افساده.
نحن اليوم دويلات وامارات وعصابات وفرق وشلل.
هل يمكن ان نستطيع ان نعود إلى ما قبل العام 2011 بكل علاته وخطاياه؟ في تقديري أصبح ذلك صعب المنال، واملا بعيدا.
والغريب أن البعض لا يزال يتحدث أننا قادمون على دولة مدنية واتحادية ومخضرية وما إلى ذلك من الخزعبلات..
انه بعض التوهان أو الهستيريا التي ترى الواقع الذي صرنا إليه.
يجب أن نضع السؤال الأهم أين وصلنا اليوم؟ وما حجم الكارثة؟ وان نعترف أننا بعدنا عشرات السنين وان نضع سؤال الابتداء من أين نبدأ؟ وكيف نبدأ من جديد؟ معترفين بكل هذا الحطام.
لم يعد الأمر اليوم هو الحديث عن تنظيرات ودولة مدنية، اليمن اليوم تحت الوصاية الدولية والإقليمية وثمانية ملايين في المنافي والاغتراب والذين في الداخل يتخطفهم الموت والأمراض والمليشيات، والبلد مقسم إلى امارات والرايات السود في كل جغرافية اليمن، والفساد والنهب أصبح ممنهجا لقلة من المتنفذين خارج البلد.
ما نحتاجه هو الحديث عن طرق الإنقاذ وانتشال اليمن من بعض مصائبه دون الإفراط في الاحلام التي لم يعد الواقع قابلا لتطبيقها.
إننا بحاجة فقط لتحشيد الجهود لكيفية الخلاص من هذه الجماعات التي سلخت اليمن خلال تسع سنوات من عهده ومجده وتاريخه وأرضه، وان تحتشد كل الإمكانات لهذا الهم وحده لا شريك له، حتى يتم الخلاص ونتحدث حينها عن عقد اجتماعي جديد صالح لما يمكن أن نتعايش في ظله.
نحن بحاجة الحديث عن القيادة التي يمكن أن توصلنا لهذه الغاية وكيف نستطيع اختيارها وتشجيعها على الظهور للإنقاذ.
نحن فى مرحلة مأساوية من التاريخ لا يصلحه إلا رجال كبار من طراز فريد يخرجون من رحم الأرض يؤمنون أن الشعوب لا تموت وأن الأوطان لا تندثر، ويعترفون بهول الكارثة ويسيرون بالأمة إلى التعافي.