محمد عزان

محمد عزان

تابعنى على

منصات الإرهاب الفكري.. حديث الافتراق ووساوس المتمذهبين

Sunday 28 June 2020 الساعة 05:42 pm

قدموا نموذجكم في واقع الحياة؛ لكي نراكم فيه، أما مزاعم الاختصاص بالفضيلة، وهجاء الآخرين، ووعود ما بعد التمكين فمعزوفة يرددها الجميع.

بقوله: {فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُور، ثُمَّ ارجِعِ البَصَرَ كَرَّتَينِ يَنقَلِب إِليكَ البَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ}؛ حثنا رب العزة والجلال على التدقيق في كل شيء، حتى فيما يَذكر سبحانه من عظيم قدرته.

ثم يأتي متعصب من هنا أو هناك يهيج بالغضب ويكيل الاتهامات لمجرد إعادة النظر في موروثه المذهبي وقصصه التاريخية، ويُصر على إغلاق باب المراجعة فيما نص عليه الإمام فلان، أو صححه الحافظ فلتان، أو رجحه العلامة علَّان! بدعوى أنهم أئمة الدين وشيوخ الإسلام.

يا عزيزي.. إن الذي سمح لإبراهيم النبي أن يتساءل: {رب أرني كيف تحيي الموتى}؟ يسمح لنا أن نشك فيما صححه البخاري وابن حنبل، أو نَرُد ما اختاره الهادي والرسي، أو نخالف ما نص عليه مالك والشافعي، أو نخطئ ابن حمزة وابن تيمية ابن الحِلِّي..

فليس أحد أكبر من أن يُؤخذ من قوله ويُرَد.. فقط يُستحسن أن يتم كل ذلك بأدب العقلاء وإنصاف العلماء، فلا يكون النّقد لمجرد التجريح، أو بغرض إحلال عصبية مكان أخرى، أو بأسلوب المُسِفّ وألفاظ المستهزئين.

أسعد الله ايامكم بحرية التفكير وأدب المُراجعات.

***

تُعد دعوى التفرد بالحق والحكم على الآخرين بالكفر والهلاك من أسوأ منصات الإرهاب الفكري، التي ينطلق منها المتعصبون لاستباحة مخالفيهم..

ويأتي ما يعرف بـ(حديث الافتراق) في مقدمتها، لا سيما بعدما ألصق به من إضافات تُستخدم كشباك لاصطياد الاتباع بإغرائهم باتباع جماعة ومعاداة أخرى.

الشيعة الإمامية قالوا: بحثنا عن قول رسول الله: "ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية"؛ فوجدنا الفِـرْقـة النَّـاجية هي الإمامية. وروى أبو القاسم الخَزَّاز القمي أن النبي قال في الحديث: ".. والناجية الذين يتمسكون بولايتكم - يعني أهل البيت - ويقتبسون من علمكم". [كفاية الأثر].

أهل السنة زعموا -كذلك- أنهم الفرقة الناجية، وروى الشهرستاني أن الصحابة قالوا: ومن الناجية يا رسول الله؟ قال: "أهل السُّنة والجماعة.

قيل: وما السنة والجماعة؟ قال ما أنا عليه اليوم وأصحابي". [الملل والنحل].

وقال ابن تيمية: "ولهذا وصف الفرقة الناجية بأنها أهل السنة والجماعة، وهم الجمهور الأكبر، والسواد الأعظم، وأما الفرق الباقية فإنهم أهل الشذوذ والتفرق والبدع والأهواء" [مجموع الفتاوى].

الزيدية ركبوا نفس الموجة، فزعم أحمد بن سليمان أن الصحابة ضجُّوا بالبكاء، وسألوا: كيف لنا بمعرفة الفِـرْقـة النَّـاجية يا رسول الله؟ فقال: "إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً كتاب الله وأهل بيتي". [حقائق المعرفة].

وقال عبد الله بن حمزة: "قد صار الخبر الوارد بإجماع كافة أهل الإسلام. بياناً عن الفرقة الناجية من أمته، وهي التي تمسكت بالثقلين، وهما: كتاب الله وعترة رسوله". [الشافي]

حتى المعتزلة لم يكونوا بمعزل عن دعوى الاختصاص بالحق واحتكار النجاة، فروى بعضهم أن النبي صلوات الله عليه قال: "ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة، أبرها وأتقاها الفئة المعتزلة". [المعراج شرح المنهاج].

أما إضافات التنصيص على هلاك بعض الفرق فروى خصوم الشيعة أن النبي حين ذكر الفرق الهالكة، قال: "وإن من أضلها وأخبثها من يتشيع" [السنة لابن أبي عاصم].

وروى خصوم الحنفية أن النبي أشار إلى الفرق الهالكة وقال: "أعظمها فتنةً على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم فيحلون الحرام ويحرمون الحلال» [مسند البزار].

بعد البحث والمراجعة خلصنا إلى أن حديث الافتراق بما فيه من إضافات لا يتوافق مع القرآن، ولا يُصَدِّقه الواقع، ولم يعتمده قدماء المصنفين في الصحيح. وإنما حظي بقبول المتمذهبين لتبرير خصومتهم.

ثم إن القرآن قد حسم المسألة بأن جعل حسن الإيمان وجودة العمل معيارًا الفوز والنّجاة، وليس الانتماء إلى العناوين المذهبية التي اخترعها الناس.

كما قضى بضلال وخسران من أفسد وظلم وتعدى؛ مهما كان عنوانه الديني، ولو كان مقيمًا في جوف الكعبة، يصلي مع أبي بكر ويقاتل مع علي.. فلا ينبغي أن نصغي لوساوس المتمذهبين.

* جمعه نيوزيمن من منشورات للكاتب على صفحته في الفيس بوك