د. عيدروس نصر
انقذوا عدن وأهلها بدلاً من النواح المصطنع
كثرت أحاديث وبيانات ومنشورات التباكي والنواح على عدن جراء استفحال فيروس كورونا وتنامي عدد الوفيات المعلن عنها، واحتمال وجود أضعاف تلك الأرقام من الضحايا غير المعلنة نتيجة غياب وانهيار المنظومة الصحية وعدم وجود جهاز مختص بالرصد والإحصاء والمتابعة في عدن وفي عموم البلد.
مأساة عدن تتضاعف لأسباب كثيرة أهمها:
1. تحول عدن إلى مركز تجمع لكافة الوافدين والمهاجرين داخليا والنازحين من مناطق المواجهات في الشمال واللاجئين من بلدان القرن الإفريقي، واستيطان جميع هؤلاء في عدن دون الخضوع لأي ضوابط أو معايير أو حتى وسائل فحص طبي وأدوات لمراقبة سلوك ونشاطات هذه المجموعات، علما بأن الكثير منهم يأتون محملين بالأمراض والأدواء الفتاكة والمعدية من مناطق قدومهم.
2. هذه الحالة بالتضافر مع عوامل أخرى أدت إلى انتشار مجموعة من الأوبئة والأفات المستوطنة والتي كانت قد اختفت من عدن منذ منتصف سبعينات القرن الماضي مثل الملاريا وحمى الضنك والتشيكونغونيا (أو المكرفس كما يسميه أهلنا في عدن) وجاء فيروس كورونا ليمثل ذروة المأساة الكبيرة في هذه المدينة الجميلة والجاذبة لكل محبي السلام والجمال.
3. كما ساهمت الفيضانات التي تعرضت لها عدن مؤخرا في مضاعفت أسباب الكارثة في ظل الغياب الكلي لمؤسسة الدولة (المفترضة).
4. ولا ننسى أن أزمة البيئة في عدن تعود إلى أعوامٍ خلت عندما تعرضت المدينة لحرب الخدمات وغدت أكوام النفايات وبحيرات الصرف الصحي صورة يومية تتمدد في كل أحياء وضواحي العاصمة بما تمثله من مصدر غني للحشرات والمايكروبات والقوارض وكل أسباب الأفات والأوبئة والأمراض المعدية.
الأخبار غير الرسمية الواردة من عدن تتحدث عن كارثة حقيقية تهدد مئات الآلاف من أبناء عدن والمناطق المحيطة بها والقادمين إليها أو المارين بها، وهذا الأمر ينبغي أن يكون هماً رئيسياً ويومياً لجميع المعنيين بحياة الناس على الساحة من سلطة محلية وحكومة (شرعية) ومجلس انتقالي ومنظمات مجتمع مدني، وقبل هذا وبعده المنظمات الدولية وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية للعمل من أجل توفير كافة المستلزمات المساعدة على الحد من عواقب الكارثة، والكف عن إخضاع الأمر للمماحكات والمزايدات السياسية والإعلامية، فحياة الناس ليست ولا تصلح أن تكون موضوع مناكفات أو مزايدات.
كورونا جائحة عالمية عابرة للقارات والدول والأجناس والطبقات، أعجزت إمبراطوريات وأهلكت مئات الآلاف من البشر وأصابت ما فوق المليون نسمة ومن غير الممكن المطالبة بمحو وجودها من البلد مهما كان ذلك يمثل أمنية كبيرة، لكن المطلوب هو بذل المزيد من الجهود لتطبيق صارم للاجراءات الاحترازية وتوفير وسائل الوقاية ومستلزمات التشخيص واتخاذ إجراءات رادعة ضد كل من يساهم بوعي أو بدون وعي في تشجيع الناس على مخالفة متطلبات التباعد الاجتماعي والاستهتار بحياته وحياة ملايين غيره.
عدن جريحة فلا تزيدوها جراحا فوق ما تعاني بتشفيكم ونحيبكم المصطنع، ورُبَّ إشعال شمعة خير ألف مرة من درزينة برامج وأطنان منشورات النحيب والتباكي.
* من صفحة الكاتب على الفيسبوك