عبدالستار سيف الشميري
مشروع إيران ومال قطر يثبت الحوثي شمالاً ويدفع بالإخوان جنوباً
استطاع المشروع الإيراني والمال القطري أن يحقق الكثير من أهدافه التي تحول اليمن إلى موطن لحروب وصراع لعقود طويلة قادمة.
ليس مستغرباً دور الحوثيين في تنفيذ تفاصيل المشروع الإيراني في اليمن وجعله ورقة ضغط لصالح المصالح الإيرانية.
إنما ما يثير الغرابة هو ذلك الدور المزدوج الذي تقوم به جماعة الإخوان بذراعها السياسي، حزب الإصلاح، وأذرعها العسكرية والإعلامية وانضوائها تحت مظلة التحالف العربي وقيامها في الوقت ذاته بتقديم الخدمات للمشروع الإيراني والأحقاد القطرية.
وليس أدل على ذلك ما يقومون به هذه الأيام من تفجير الصراع بمحافظة أبين وغيرها من مناطق الجنوب.
والغريب أن هناك فتوراً في رد التحالف العربي على هذا الدور المزدوج.
تحضرني عبارة ساخرة للفنان المصري عادل إمام في أحد أفلامه وهو يلخص انقسام المشهد السياسي بعبارة كوميدية أن الصراع بين (دُول ودُول) باللهجة المصرية وعندما سأله ولده احنا مع مين فيهم؟ أجابه (شويه مع دول وشويه مع دول) وتلخص هذه العبارة حال حزب الإصلاح وتقاطعات مصالحه بين المملكة السعودية والتحالف وقطر وتركيا وكلها تخدم في الأساس مشروع إيران.
يقسم الإصلاح جسمه وقياداته وأجهزته وأدواته إلى أقسام، يقوم كل قسم بدور مع طرف من الأطراف، بينما يقف مع التحالف ويؤسس ألوية بدعم منه يؤسس أيضا معسكراً لقطر في تعز ومراكز تدريب في مأرب، وبينما تمتدح بعض قنواته الفضائية المملكة تقوم أخرى بشتمها واتباع سياسة قطر الإعلامية.
وتتوزع القيادات فمنها في الرياض تنعم بالخيرات والهبات وأخرى في قطر وتركيا تدير الاستثمارات، وثالثة تفتح فرعاً في سلطنة عمان وتتحاور مع الحوثيين وتتقارب معهم.
وبينما تسقط جبهات الإصلاح في نهم وتطربل في تعز يصرخ اليدومي: قادمون يا صنعاء، وتصرخ توكل وغيرها بضرورة التقارب مع الحوثيين!!
ويصرح الحوثي أن هناك دولة شقيقة تحاول تقريب مذاهب الإخوان والحوثي، وتعمل على اتفاقات وهدن عسكرية،
إنها سياسة شوية مع دول وشوية مع دول والحسابة بتحسب.
وليس هذا بجديد على منهج الإخوان الانتهازي عبر كل زمان ومكان، ففي أثناء ثورة يوليو المصرية والإطاحة بالملك فاروق كان الإخوان قد شكلوا ثلاث فرق: الأولى، تساند عبدالناصر وتقف إلى جوار الثورة. والثانية، تحاور الإنجليز واستلمت أول دعم من الاستخبارات الإنجليزية قدره ثلاثون ألف جنيه، وهو آنذاك مبلغ ليس بالهين ويعني الملايين مقارنة باليوم كما كشف أحمد السكري عن ذلك. وفريق ثالث كان في قصر الملك فاروق يطالبه بتمكين الجماعة كي تقف إلى جواره وأن هناك عشرة آلاف من الكشافة تحت أمره وإشارته، وكانوا ينتظرون من سيكتب لها النجاح.
فلما استقر الأمر للثورة انحازوا لها وركبوا موجتها وحصلوا على استثناء لحل الأحزاب بصفتهم جماعة لا حزباً، وهي تخريجة وضعها النظام المصري لهم حتى لا يخسرهم حتى انكشف تآمرهم على الثورة وناصر لاحقاً.
وهذا الازدواج والانتهازية يمكن قراءتها في كل جماعات الإخوان في دول كثيرة قد يطول بنا الأمر إن ذكرنا قصصا مشابهة في دول أخرى كثيرة، وما ذكرناه على سبيل المثال لا الحصر..
لكن السؤال الأهم، كيف يقيم التحالف اليوم موقف الإصلاح الانتهازي؟ وهل تأجيل معاقبته يعود للاضطراب في الميدان وتشتت الجبهات؟
ثم ما هذا الاطمئنان الذي يبدو على حزب الإصلاح وهو يمارس هذا الازدواج؟ هل يراهن على ضعف الشرعية والتحالف في عدم محاسبته؟ وهل استطاع فعلا أن يفقد الشرعية توازنها ويصبح هو الورقة الأقوى فيها، ولذا فمن الصعب مخاصمته أو الاشتباك بطريقة ما معه؟
ثم السؤال الأهم هل كانت الإمارات على حق وهي تفضح الإخوان ولا تثق بهم منذ العام الثاني من الحرب؟
إن تقييما عابرا للوضع اليمني يقودنا باستنتاج أن التقارب الحوثي - الإخواني أصبح معادلة جديدة سوف تفضي حتما إلى حوار سياسي منقوص ذي نتائج كارثية سيتجرعها اليمنيون وستكون قطر فيها محورا ومرتكزا هاما، وربما سيمضي التحالف في قبول ذلك مجبرا وهو يرى أن الشرعية اليمنية أصبحت شرعيات وجبهات وخصومات، وأن فن الممكن أصبح هو لغة الحوار والقبول بالممكن حتى حين على أقل تقدير.
لقد نجح الإخوان في إرهاق التحالف واستثماره وأضاعوا كل طموحات اليمنيين في التوجه نحو دولة وهم بذلك شركاء مع الحوثي في كل تفاصيل الكارثة اليمنية.
إن سيناريوهات عدمية وعقيمة هي ما ستنتجه هذه الحرب على طاولة قبول بالأمر الواقع أكثر منها طاولة حوار، ولعل ما ينسجه المبعوث الأممي في تصريحاته الأخيرة عن الحل الشامل شيء من هذا النسيج الذي تحسن بريطانيا صناعته بامتياز عبر تاريخها السياسي.
وختاماً.. هل بمقدور الغالبية الصامتة والأحزاب الساكتة والشخصيات الساكنة أن تصنع شيئاً ما يغير من المشهد ويسجل حضوراً يحسن هذا النسيج الذي يعد لليمن كي تلبسه لعقود قادمة من الزمن ليس لها فيه خيار ولا يمت بصلة إلى مخرجات الحوار ولا إلى ما قبل مخرجات الحوار والدولة المركزية التي خسرناها وكانت تحتاج إلى تعديل وتطوير أكثر ما تحتاج إلى هدم تم الإصرار عليه مع سبق وترصد قاد إلى ما نحن عليه اليوم من شتات؟!
إنه سؤال الوجع اليمني الذي يمتد بامتداد جغرافيتنا وسواحلنا ومزارعنا، ما الذي يحاك لهذه البقعة من الكون وهذه الزاوية الهامة من الجغرافيا ولصالح من، كل هذا العبث...؟
لعل الجنوب اليوم سيعود من جديد إلى قلب المعركة مكرهاً ليحمي نفسه من اخطبوط المشروع الإيراني والذي نجح سابقاً في إيقافه عبر الحوثيين..
لكن الأمر يعود عبر الذراع الإخوانية وبعض قوى النفوذ، والمعركة قد تحصد الكثير من الأرواح والخسائر وتعيد الجنوب إلى الخلف وتخلط الأوراق من جديد،
لكن التلاحم الجنوبي وإيمانه بقضيته وقيادته كفيل بالانتصار في نهاية المطاف.