محمد عبدالرحمن
عندما تستيقظ الثورة الحمادية تذوي لجان "الرئيس" وتزأر تعز بصوتها الحقيقي
لا مناص لهذا التشذيب المنحل عن قيم السلطة التي تراود نفسها في تغييب سفاكي دم الأبطال القياديين في ما تبقى من الجيش، وذلك عبر لجان الرئيس التي تبتلع النتائج قبل التحقيق وتصبغ أوراقها بدماء الضحايا، وتستلم أجورها وثمن أتعابها من المشكوك فيهم كجناة لبسوا ثوب الوعظ والرثاء والحزن على الضحية، ورددوا على مسامع الناس: إنا لله وإنا إليه راجعون.
قضم مطالب الناس التي تبحث عن المجرم السياسي الذي ينفذ عمليات الاغتيالات، عبر لجان يدغدغ بها الرئيس ويلطف غضب المستنكرين والمتعبين من انحطاط شرعيته التي تخفي بين ذراعيها جماعة تصطاد ضحيتها ثم تذرف دمع الفرح لا الحزن كما يعتقد البعض، هذا القضم يتسع مع كل يوم يمضي دون نتيجة أو ملامح توضح هوية المجرم حتى تنتهي كل آمال من يعتقد بالعدالة عبر تلك اللجان.
الأمر ليس سياناً في تعز وبالذات الحجرية التي منحت قلبها للبطل الحمادي، تحاول جماعة حول الرئيس عبر تلك اللجان الرئاسية أن تفرز دم الحمادي عن يد المجرم وهويته، وبناء صيغة للعملية بلون رديء لا يمكن من خلاله تتبع خطوات الفاعل على الرغم من وضوح صورته وانكشاف دوافعه التي قادته إلى اغتيال الشهيد المبكي صدقاً والمبعوث من دمه بثورة.
لم تكن تعز في أفضل حالاتها قبل رحيل الحمادي عنها مضرجا بدمه الحجري، لكنها كانت تذخر به كالأمل الأخير الذي يحمل البندقية الصادقة والشريفة دفاعاً عنها، وتزهو بأن ابنها الصلب الذي لم يخذلها في معارك المطار القديم والكثير من الجبهات سيكمل ما بدأه ويحقق لها النصر والتحرير، لكن الطغاة أمرّ عليهم تحريرها من اغتياله.
لم يترك الحمادي مدينته وقريته، وظل متمسكاً بها حتى وهو ينزف ما تبقى من قطرات دمه الأخيرة، حاولت جماعة الإجرام السياسي أن تنزع جذوره من وديان وقرى تعز، وأن تُغيب ظله عن تلك المراعي التي حررها برفقة جنوده، وأن تُطفئ النار التي شبّت في ضلوعه تدفعه نحو تحرير ما تبقى من البلاد، تلك النار نشبت في ضلوع كل رفاقه وابناء تعز، وأصبح دمه زيتاً لقناديلهم التي لن تنطفئ، ومنها تشتعل الثورة الحمادية.
أمام وعي الناس في تعز لن تجد لجان "الرئيس" إلا أن تنتبذ مكاناً قصيا تذوي فيه بالعجز عن الصدح بحقيقة ما حدث بالصورة الواقعية دون الارتعاب من إرهاب جماعة الإجرام السياسي، حيث إن وعي الناس بالخطر الذي يلتف حول محاولة الالتفاف المصطنع عن جوهر القضية، يدفع بالتعزيز والإيمان بعدالتها وحتمية الانتصار لها بكل الوسائل الممكنة، والذهاب أكثر من ذلك في التحشيد لاستكمال التحرير ووأد جماعات الإرهاب.
تعز لن تكون إلا بصوتها الحقيقي الذي يزأر في وجه كل خفافيش الظلام والتطرف، ولن تقف إلا في الصف الذي وسمت به، جمهورية تأبى الانكسار، يستحيل أن تبقى تعز رهينة ميليشيا الإخوان تهتك أستارها من الداخل، وميليشيا الحوثي من الخارج وعند المنافذ والمعابر، ولن تكون مدينة قابلة للمتاجرة بها وأوجاعها في مزادات السياسة ونخاسة الشرعية.
لأول مرة يتم رفض لجان للتحقيق، إنها تعز التي تتعلم من الدروس، وأن تلك اللجان لا تأتي بالحقيقة ولا تكمل مهامها، إن الجميع يعرف هذه الوسائل في تمييع الحقائق والقضايا منذ أن كان الرئيس وجماعة الإجرام السياسي في دار الرئاسة بصنعاء..
يجب أن لا يعتقد أحد أن هناك من سيبيع دم الحمادي، وأن بالإمكان إخفاء الحقيقة عن دوافع الجماعة التي نفذت اغتياله، حيث وإنها قد بدأت بالشروع في بناء المعسكرات الجديدة وتجهيز عناصرها للقضاء والاستيلاء على اللواء 35.