محمد عبدالرحمن
شمال اليمن.. الانفصال الذي يلاحق المجتمع والبؤرة المرتجفة من الجنوب القادم
لم تعد هناك قضية جنوبية تبحث عن من يحمل همومها ويقاتل لأجلها، لقد وجدت ذلك وانتصرت وأعادت الجنوب إلى المربع الذي يجب أن يكون فيه كارتكاز محوري في حل الأزمة اليمنية سياسياً أو عسكرياً، ونقطة هامة في حماية تأمين الممرات المائية الدولية ومحاربة الإرهاب والتطرف، الجنوب يدخل مربع البناء والاستقرار والسير نحو المستقبل.
القضية اليوم انتقلت إلى الشمال الذي يئن من سطوة الميليشا الحوثية وسلب الهوية وتجريف العادات وضياع الحقوق، القضية الشمالية هي القضية التي يجب أن تكون محور اهتمام العالم والإقليم، اهتمام المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات.
الشمال ليس فيه قضية منفردة يعاني منها المجتمع، كنتيجة لسقوط الدولة وتكريس التطرف والإرهاب، لقد تحول إلى كومة قضايا تنتهشه وتصيبه في تخلف ورجعية وجهل وفقر وجوع وحرمان من الحاضر والمستقبل، الهوية والثقافة، الدولة والإمامة، الجمهورية والسلالية، التخلف والفقر، الجغرافيا التي تبحث عن خطوط توقف جائحة الحوثي في إطار مكاني معين.
كانت القضية الجنوبية هي من يقلق الإقليم ويزعج الشمال، اليوم تحولت القضية إلى الشمال بكل تفاصيلها، صنعاء بعيدة عن عدن، وبعيدة عن المجتمع وبعيدة عن اليمنيين المشردين، إنها مخطوفة بأيادٍ معجونة بالتلوث السلالي والفكري والامتداد الفقهي للمرجعيات في حوزات قم ومخنوقة بعمائمها.
قضية الانفصال الشمالي الذي تبحث عنه جماعة الحوثي بعد أن وجدت نفسها خارج الجنوب منذ 2015، وكذلك ما يريده الإخوان بعد عجزهم عن السيطرة على عدن، هي رغبات متباينة بين جماعات متطرفة تسعى بالاستفراد والتحكم ولو على قرية مهجورة منفصلة عن الحياة، حب السيطرة والإمعان في التفرد من سمات الوباء الذي اجتاح اليمن عبر هاتين الجماعتين الحوثية والإخوانية.
التبرير لانفصال الشمال هو ما يسوقه أولئك الذين وجدوا الجنوب أصبح خارح دائرتهم وسلطتهم، ويريدون أن يبقى الشمال بما يحمله من ثقل اجتماعي وسكاني في قبضتهم والترصد لفرصة سانحة نحو الجنوب مرة أخرى، وتحويل الشمال إلى مراكز متطرفة مبندقة ومتخندقة خلف الجهل والتخلف يعادي الإقليم وقلبه معلق في الجنوب.
لا انفصال جنوباً ولا عدائية مجتمعية تجاه الشمال، ليس الجنوب هو الذي توقف عن المعارك شمالاً ليعبر عن حدوده وأهدافه، إنه يعتبر القضية واحدة والهدف واحداً والمعركة واحدة، وما بعد الحرب وعبر التفاوض يتحدد كل شيء، انفصال أو وحدة أو فيدرالية، أو أي شكل من أشكال الحكم يتم الاتفاق عليه، لكنه في البداية انتصر للقضية الجنوبية، ويحاول الآن أن ينتصر للشمال المخذول.
مراكز القوى شمالاً هي التي تصنع من أطماعها وأهدافها أسباباً لتجريم الجنوب ونهب الجنوب ومحاولات لدفع المجتمع شمالاً لحمل الكراهية ضد الجنوب بدوافع الانفصال وإعلاء الهوية الجنوبية والتعبير عنها كخصوصية يمتلكها أي مجتمع في هذه الدنيا، ولذلك تحاول هذه القوى المتنفذة أن تغلف أهدافها وتعميمها بصورة مجتمعية تفرز في نهاية الأمر مصالحها فقط.
محاولة جلب الاستعداء بين مكونات المجتمع شمالاً وجنوباً هي رغبة تسعى إليها جماعتا الإخوان والحوثي، لتحقيق المكاسب التي تحصل عليها من وراء هذا العمل، ولمحاولة تغييب الأهداف الحقيقية التي تريدها هاتان الجماعتان وإلهاء الناس بأمور هامشية مصطنعة إعلامياً من أجل انعكاسها على الواقع.
الجنوب القادم الذي يتبلور اليوم هو جنوب قوي يصعب على قوى النفوذ والنهب الإخوانية والأطماع الحوثية إحداث اختراق فيه والنيل منه ومن ثرواته، هذه القوة لا تعادي الشمال كمجتمع أو ثقافة أو هوية، بل هي سند وعضد لكل مقاومة بنادقها نحوه لتحريره وإزالة القيود والأغلال الموصدة على حياته ومعيشته اليومية.
ما زالت بنادق الجنوب موجهة نحو ميليشا الحوثي في الضالع، تحمي الجنوب وعينها صوب صنعاء لا طمعاً فيها وإنما كواجب أخلاقي تجاه أهلها وإنقاذهم والمساهمة في دفع الحياة وعودتها إلى الشوارع والمدن.
الدم الجنوبي يسيل في الجسد الشمالي، والجرح الشمالي يتألم لأجله الجسد الجنوبي، هذه الصورة المتكاملة والمشهد الملحمي نجده في معارك الساحل الغربي والضالع، تلك المعارك المجردة من كل لوثات السياسة أو المطامع الحزبية، هي فقط تريد صنعاء، وصنعاء لكل يمني.