محمد عبدالرحمن
سلطان البركاني.. مشهد الضمير الذي لا يمتلك إلا الرجاء مع ولي العهد السعودي
في مشهد عفوي حمل صورة عن الأوجاع التي تطوف أوساط اليمنيين، ظهر سلطان البركاني مع ولي عهد السعودية في حوار مقتضب وسريع على هامش اتفاق الرياض الأسبوع الماضي، أفصح البركاني فيما بعد عن طبيعة ذلك الحوار.
المغتربون ومعاناتهم في المملكة ووعودها في استثنائهم من السياسة الجديدة التي تتبعها في تنظيم الكفالة والعمالة الوافدة، وسعودة بعض المهن التي يعمل فيها الكثير من اليمنيين ويقتاتون منها ويطعمون عوائلهم في اليمن.
أي شخصية سياسية تستغل المواقف لصالح شعبها هي شخصية تحمل في قلبها نوعاً من الاحترام للمسؤولية التي تحملها، وقضية المغتربين في المملكة ومعاناتهم قضية أرقت البركاني كرئيس لمجلس النواب وكمسؤول عن كل اليمنيين وقضاياهم، ولأن القضية تمس قوت اليمنيين في الداخل فإنها تصبح جوهرية وذات أولوية في معالجتها والبحث عن فرص لعمل ذلك.
على الرغم من أن الشرعية اليمنية تسكن فنادق الرياض إلا أن المسؤولين فيها لا يلتقون بشكل دائم مع الملك أو ولي العهد للتباحث في قضايا الحرب وآثارها، وأكبر مسؤول يمكن أن يجتمعوا به في الأمور الاعتيادية هو ضابط المخابرات أو السفير السعودي في اليمن، ولذلك كان البركاني يبحث عن وسيلة أو فرصة لاقتناصها وتجديد طرح قضية المغتربين على الملك أو ولي العهد، وكان اتفاق الرياض الفرصة التي استغلها بشكل جيد وانتزع من ولي العهد تأكيداً قوياً بالنظر إلى القضية قريباً.
قضية المغتربين ليست هامشية، وليست بالدرجة التي تكون فيها ثانوية عن قصايا ذات أهمية، بل إنها قضية كبرى توازي قضية الحرب ضد الحوثي، لأن الأموال التي يتم تحويلها من المغتربين تساهم في بقاء المجتمع على قيد الحياة، حيث الناس في مناطق سيطرة ميليشيات الحوثي يتكئون في أكلهم وشربهم على ركيزة تحويلات المغتربين لعوائلهم، وعلى ركيزة المساعدات عبر المنظمات الأممية والتي ينهب الحوثي أغلبها.
أكثر من مليوني مغترب في المملكة يعيلون آلاف الأسر ويطعمون مئات الآلاف من الجوعى في اليمن، لذلك قضيتهم قضية إنسانية بالدرجة الأولى، ونظراً لظروف الحرب فإنها تعتبر أولوية مطلقة.
تحمل البركاني هذا الهم الكبير، ويبذل جهوده على أمل أن يتم النظر فيها، وما ذلك المشهد العفوي الذي ظهر به أمام ولي العهد السعودي بصورة استجداء، تدل على الضمير الذي يؤنبه كمسؤول عن هؤلاء الناس الذين خذلتهم شرعية هادي طيلة خمس سنوات من مكوثها في الفنادق دون أن تقدم لهم شيئاً.
تعيش البلاد ظروف حرب عبثية، بلا سلطة قوية ولا دولة تحتضن أوجاع الناس وهمومهم، ولا رؤية واضحة لوقف الحرب بصورة تحمي البلاد والمجتمع مستقبلاً من التطرف والإرهاب.
لا توجد سلطة شرعية بهذا الشكل المبتذل مثل الشرعية اليمنية التي ينخرها الفساد والتي أهانت نفسها وشعبها، وأي علاقة لطرح أي قضية تمس المجتمع اليمني يتم طرحها بصورة شخصية، لأن الشرعية فاقدة للعمل المؤسسي ينخرها العمل لصالح جماعة معينة.
ما أقدم عليه البركاني في اتفاق الرياض كان بصورة شخصية، وكأنه كان يتمنى أي اتفاق يجمعه مع ولي العهد السعودي، لأنها قضية تمس أيضا جوهر التغييرات الجديدة التي تظهر بها المملكة في اقتصادها ورؤيتها الجديدة 2030.
لم يتحرك هادي وشلته المحيطة به من أجل أي قضية تمس الناس لا في الداخل ولا في الخارج، لم نجد مسؤولاً يحترم نفسه ويبدأ في البحث عن حلول لقضايا الناس في الداخل والخارج، لم نجد شرعية تحترم نفسها وتنظر إلى معاناة الناس في الداخل والخارج، إننا محاطون بالحرب والفساد والجهل.
مشهد البركاني، صورة توحي بمدى الألم والقهر الذي لحق بنا من شرعية خذلت الناس وأحلامهم، صورة توحي مدى الجريمة التي ارتكبتها الشرعية بحقنا طيلة خمس سنوات ولم تقدم حلاً لأي قضية من قضايانا التي نعاني منها، ما الذي سيفعله البركاني إن لم يكن بتلك الصورة من الرجاء!!
نختلف أو نتفق مع سلطان البركاني في المواقف أو الاتجاهات، لكن ما يحاول أن يقدمه للمجتمع ولقضاياه وخاصة الصنيع الذي فعله في اتفاق الرياض مع ولي العهد السعودي، جعل من الناس يشعرون بالغُبن على مصيرهم الذي تركته الشرعية، وبعث فيهم أملاً، ولو يكاد ينعدم، في مسؤول يحترم ذاته ويستغل كل فرصة لوضع وطرح قضاياهم.