محمد عبدالرحمن
الشمال.. الاختناق بالاستلاب الثقافي ووعود التحالف العربي بالإنقاذ والتحرير
يعيش الشمال اليمني مرحلة صعبة وخطيرة، بعد أن نخرته ميليشيات الحوثي ثقافياً وسياسياً واقتصادياً، وفرضت المشروع والأجندات الإيرانية التي تعتنقها كامتداد لمشروعها الطائفي في المنطقة.
يختنق المجتمع في الشمال باستلاب هوياتهم الأولية التي ينتمون إليها كخصوصية لهم تميزهم عن باقي المجتمعات الأخرى، اختناق يحبس الدم في الأوردة ويقطّع المجتمع إلى طبقات غير متجانسة، تخدم الفكرة والمشروع المستورد من خارج البيئة اليمنية باسم المسيرة القرآنية الذي يفرضه الحوثي على المجتمع بقوة السلاح.
يعرف الجميع الخطر الذي يحمله الحوثي ومشروعه، ويعرف الجميع الإرهاب الذي يمارسه الحوثي، وفرض مشروعه بالقوة وتغيير ثقافة وهُوية المجتمع وسلخه من انتماءاته الوطنية واستبدالها بانتماءات ضيقة تقدس الشخصانية والجماعاتية مع وجود الاستدلال غير المنطقي بالارتباط المباشر بالسماء مع هذه الانتماءات.
في مقابل انكشاف الخطر الذي يحمله الحوثي على المجتمع والدولة والإقليم، نجد التماهي الكبير الذي تبديه منظمة الأمم المتحدة ومبعوثها الذي تحول إلى مندوب لقائد هذه الجماعة وتنصله عن المسؤولية والحيادية، هذا التماهي يعزز من بطش الحوثي واستمراره في خنق الشمال وصناعة مجتمع جديد بهوية متطرفة عدائية موجهة حسب المشاريع والاتجاهات التي تخدم الجماعات الإرهابية والدول الداعمة لها.
ومن ناحية أخرى نجد أن التحالف العربي لم يعد بالجدية تلك في التخلص من هذا الخطر الذي يهدد دول الجوار بالقوة العسكرية، ربما بسبب التجربة المريرة في اعتماده على سلطة الشرعية اليمنية في الحرب، والخذلان الذي تلقاه منها وانكشاف التماهي بينهما -عبر جماعة الإخوان-، لكن هذا الأمر ينتفي مع ظهور أطراف أخرى مناوئة للحوثي وقادرة على دحره والانتصار وتحقيق أهداف التحالف واليمنيين، ورغم ذلك لم تعد السعودية بحاجة للتخلص من الحوثي كجماعة إرهابية، ربما لأسباب تتعلق بالسياسة البريطانية التي تحمي ظهر الحوثي وتثبت دعائم وجوده.
يختنق الشمال بالتمادي الحوثي والاستمرار في تغيير الهوية والثقافة، ويختنق أكثر بالوعود المروجة لإنقاذه وبالحبال الخادعة التي تمدها السعودية، لم يلمس المجتمع الجدية الحقيقية في إنقاذهم، وكل يوم يتضح لهم حقيقة أن الإقليم والأمم المتحدة تساهم في دعم الحوثي وإبقاء سطوته شمالاً بما يخدم سياسات معينة، بعيدة عن الدولة اليمنية والهوية اليمنية الجامعة، والسعي عبر الحوثي لإحداث تغيير جذري في ثقافة المجتمع وحرفها نحو التطرف والإرهاب وحمل ثقافة التجهيل وهدم قيم المجتمع.
خمس سنوات من الحرب والشمال لا يمثل قيمة حقيقية في الأهداف الفعلية للسياسة الدولية لإنقاذه من مخالب إيران وذراعها في اليمن، يقبع الشمال بلا تمثيل حقيقي ودافع قوي لإخراجه من وضعه الصعب، يُستثنى من الحرب السياسية، وتوقف على أبوابه المقاومة لتحريره بقرارات أممية ومباركة إقليمية سعودية خصوصاً.
لماذا الشمال يُترك للحوثي غنيمة سهلة يبتلعها بفم جماعة الإخوان والصمت السعودي؟! لعل الأمر لم يكن الهدف هو الحوثي وإرهابه، وإنما حزب المؤتمر وزعيمه الشهيد، لما يمثله من اتزان في السياسة والمرونة والرؤية الشاملة للدولة في اليمن، كحزب يمثل التوجه المدني بين الأحزاب الأخرى.
قبل أن يستشهد الزعيم وقبل انقسام قيادة الحزب المؤتمري كان صوت الشرعية ومن خلفه الصوت السعودي مرتفعاً من أجل تحرير الشمال وتحرير صنعاء وعودتها إلى المربع الذي كانت فيه، وبعد استشهاد الزعيم اختفى هذا الصوت وتوارى بعيداً، وبدأ صوت السلام الذي يبقي الشمال للحوثي كغنيمة لقتله زعيم المؤتمر.
ربما كان المؤتمر وزعيمه هما الغاية وليس الشمال، وكأن الأمر متعلق بشخصيات معينة لا خطر عقائدي يهدد الشمال والسعودية بشكل رئيسي، ولهذا نجد اليوم أن الشمال يقف أمام الاستلاب المرعب لكيانه، بدون أن يرتفع الصوت الذي كان قبل ثورة ديسمبر.
مؤلم أن نرى التواطؤ مع جماعة إرهابية، ضحيته مجتمع بأكمله، وتقف الأمم المتحدة في وجه المقاومة التي هي الأمل الأخير للخلاص الشمالي تبدأ من الساحل الغربي.
الشمال اختنق بالألم من تلك الوعود الزائفة التي انطلقت من دهاليز فنادق الرياض ومن خطابات التحالف العربي، ويختنق أكثر عندما يقف البعض أمام فرصة سانحة لتحريرة كما حدث في إيقاف معركة تحرير الحديدة.
ليس من مصلحة السعودية مستقبلاً أن تقف أمام أي توجه لدحر الحوثي، وليس من مصلحتها أن تصمت عن إيقاف تحرير الحديدة، الحوثي سيبقى الخطر الأكبر المهدد لكيانها، ولا يمكن أن يكون الحل معه سياسياً في ظل سيطرته على الشمال بسلاح الدولة الذي نهبه من مخازنها بمساعدة شلة الرئيس هادي.
خيار إيجابي إنهاء اتفاق السويد واستكمال تحرير الحديدة وإعادة الأمل للشمال بتحريره وإنقاذه من حالة الاستلاب التي يعيشها، وإلا لن يكون هناك سلام حقيقي ودائم في ظل وجود الجماعات الإرهابية، وسيتحول المجتمع إلى التطرف الذي سينفجر في وجه السعودية يوماً ما، يجب أن يكون الشمال قضية ملحة كما كان الجنوب الذي توج خياره باتفاق الرياض، وهذا يساهم في إعادة البوصلة شمالاً إذا صدقت النوايا.