محمد عبدالرحمن

محمد عبدالرحمن

اليمن.. السجن الكبير والشجن إلى الحرية

Thursday 03 October 2019 الساعة 05:09 pm

الحرب التي تطحن المجتمع في هذا البلد الذي يقف على عتبة التاريخ لم يغفر له هذا الامتداد التاريخي، الحرب تجرف كل التاريخ وتضطرم بالحاضر وتفني المستقبل. قبل مجيئه، لا التاريخ يستطيع أن يقف مع طرف في الحرب تمسك به واعتقده طوق نجاة، لأن استحضار الماضي بكل مقوماته هو سبب رئيسي في أي حرب تريد أن تعيش في الماضي.

هذه البلاد المطحونة بالحرب حولت الناس فيها إلى أشباح منهكة، لا طاقة لها في رفع البصر إلى حيث يقف أولئك الذي يمنعون عنها الحياة بصورتها الطبيعية، حيث يقف الناعقون باسم الدين والتدين خلف كل هذا الزيف والخراب، ويتمسكون بالحرب وسيلة تهدم أواصر هذه الروابط المجتمعية، هؤلاء هم من جعلوا الناس بلا طاقة يدافعون عن ما تبقى لهم من كرامة البقاء في بيوتهم.

إننا نعيش في السجن الكبير الذي تحيط به جدران من الفراغ والمسلحين مرتزقة الموت، القيود التي تكبلنا كثيرة، الأحلام مكبلة من الطواف خلف هذا السجن كي لا ترى أثر الآخرين في الحياة، والصوت بلا صدى سوى رجع الصمت المدوي إلى الأبد، والكلمة بلا حروف وقد أُنهكت في بحر التجمد والذبول.

لعلنا أول المجتمعات التي تصنف بلادها سجناً رهيباً، نعيش وفق قانون هذا السجن، لا يحمي أحداً إلا السجان الذي ينتدب زبانيته لإيقاع صنوف العذاب في حياتنا وأكلنا وملبسنا ونومنا وأحلامنا، نقتطف السعادة من وجه الشمس فيحولها إلى جحيم يتخاطفنا، يشتري أرواحنا بلا ثمن في سبيل حروبه ومجده ونعمته.

هذا الموت البطيء الذي ينتعلنا خلف جدران بلادنا المسيجة بالبحر والصحراء ولا سبيل إلى الهروب منه، لا أحد يقبلك بلا هوية أو جواز سفر، وليس هناك من يمنحك هويتك، لقد سلبونا أسماءنا ودماءنا ويتاجرون بها، ثم يتهموننا بأن روح الوطنية منزوعة من قلوبنا عندما يرون آلامنا وأشلاءنا تتطاير عند أقدامهم، ويريدون أن نستمر في البذل والتضحية، لأنهم فقط يجيدون النفاق الوطني والاحتفال الوطني.

لقد أنهك القيد أجسادنا وأحلامنا، وتعبت كل الآمال التي كنا نسترقها عند البرق لعلنا نتمسك بها ونشعل بصيص الأمل نحو الانعتاق والزحف نحو تحطيم الأصنام المزروعة في عقولنا.

نتوق إلى بلادنا وتحطيم هذا السجن، نريد العبور إلى حيث الحياة، نسير وليس لنا أفق يحد من هذا السير، نكتب ونتحدث، نضحك ونمرح، نؤيد ونعارض، كل ذلك والقانون يحتضن حقوقنا ويمنحنا قوة التمسك بهذه الحقوق، ليس هناك من يحتكر الوطنية، وليس هناك من يحمل البندقية نحو صدورنا وبيوتنا، الدولة تحمينا وهي بيتنا الذي نأوي إليه.

ما كل هذا الوجع الذي نحمله، وما كل هذا الانكسار الذي جعل أكبر أحلامنا أن نجد وجبة الطعام القادمة؟!

لن تُهد أبواب هذا السجن إلا بالعزيمة وقوة الحق، ولن تُرفع عنا سياط الماضي إلا إذا وقفنا لها بقوة الحاضر والمستقبل، ولن تعود الدولة إلا إذا واجهنا الهدّامين بقوة البندقية وصدق التوجه نحو المستقبل.