انحدرت اليمن في الاتجاه الصفري من الخط المستقيم، وتجاوزت قيم سالبة، وابتعدت كثيراً عن العودة إلى نقطة التوازن أو العودة إلى الحالة الصفرية.
المواطن العادي والبسيط أرهقته مجريات الأحداث السياسية وأصبح لا يفهم ما الذي يجري! وكيف تسير الأمور في اتجاهات مختلفة سرعان ما تتغير في اتجاهات كان يعتبرها المواطن ضد حالة التشتت السياسي التي تعيشها جمهورية ما كانت تسمى اليمن شائكة ومتداخلة فيها المصالح الشخصية والحزبية والإقليمية والدولية، ولم تتداخل أو على الأقل تكون هناك فسحة صغيرة لوضع الناس والبلاد كحيز ترتكز عليه قيم المنفعة الشخصية والحزبية.
هادي الرئيس الذي كان يعمل مع الرئيس الراحل علي عبدالله صالح كنائب لرئيس الجمهورية بوضع صامت، استحق هذا المنصب بعد غزوة 94 إلى الجنوب، حيث كان يشغل حينها منصب وزير الدفاع، سحق قوات الجنوب الذي ينتمي إليه وعاد إلى صنعاء تحت أهازيج وطبول الوحدة التي أريق دمها في ذلك الوقت، وتحول الجنوب إلى فيد ومناطق نفوذ لقوى شمالية قبلية وعسكرية.
ولولا أزمة 2011م ما نطق هادي، وقرأ أول ما قرأ سورة المبادرة الخليجية التي نصبته رئيساً للجمهورية اليمنية لفترة انتقالية لمدة عامين، كان خائفاً ومرعوباً فهي المرة الأولى التي يعتلي منصة الرؤساء، لكن حزب الإصلاح كان قد حوط كل مناطق الخوف في قلب الرئيس وقال: سيادة الرئيس، لا تخف.. أنت في وجه الحزب.
ومن إطار الدولة إلى مسبح حزب الإصلاح قفز هادي لا يعرف السباحة جيداً، وترك الدولة تغرق بين براثن ومخالب الحزب الذي نهش في جسد الأمة حتى وصلت الدولة إلى مرحلة التفكك والسقوط المريع بيد جماعة الحوثي الإرهابية
في كل مراحل العملية السياسية منذ تأسيس حزب الإصلاح نجد أنه يرى الدولة ملتحية ولا يمكن تخيلها بدون الزنداني وأناشيد الحزمي، ولذلك تأتيه فرص لتحويل كل مقدرات المجتمع لخدمة الحزب واعضائه، وهنا هو جوهر التشابه بين حزب الإصلاح وجماعة الحوثي.
حيث جماعة الحوثي ترى الدولة مسربلة ولا يمكن تخيلها بدون عبدالملك الحوثي وزوامل عيسى الليث، وتعمل على تحويل كل مقدرات الدولة والمجتمع لخدمة قائد الجماعة ومن إليه من عوائل الهاشميين.
نعود إلى الرئيس هادي الذي طوق عنقه بعد عاصفة الحزم بربقة حزب الإصلاح، وبدلاً من أن يكون التحالف العربي هو المنقذ لوضع سقوط الدولة وتشظي المجتمع وانتصار هادي أصبح الوضع مختلفاً عن تلك المبادئ.
الإصلاح يخدم نفسه ويجير الحرب لصالحه، يوهم قوات التحالف أنه الوحيد القادر على تحقيق مصالح السعودية ودول التحالف ومصالح اليمن قبل ذلك، هذا الإيهام المخادع كلف خزينة السعودية مليارات الدولارات، ولم يتحقق شيء على أرض المعركة بعد أن توقفت كل جبهات القتال مع الحوثي وخاصة عندما بدأت الأزمة الخليجية التي تعتبر قطر طرفاً فيها.
المجتمع يتشظى، والناس تموت من الجوع والخراب والدمار وجائحة الحوثي الإرهابي، وهادي الرئيس لا يزال يطوف بين خطابات متلفزة وبيانات تنديد، وكأنه خارج نطاق الزمن الذي تعيشه بلاده.
اليوم وبعد ثبوت فشل هادي كرئيس وحزب الإصلاح كمسيطر على مفاصل الشرعية وقراراتها، ظهرت أطراف أخرى على أرض الواقع تحمل مشاريع مختلفة ومتباينة، غرست أقدامها، وظهرت برأسها تعلن عن نفسها كيانات أنتجتها الظروف وفشل هادي.
فشل هادي جعل من الأمم المتحدة لا تؤمن به، مما جعلها تتعامل معه بدرجة أقل مما تتعامل مع جماعة الحوثي الإرهابية، وأصبح المجتمع الدولي يرى في هادي استمراراً للأزمة والحرب ولن يكون ذا نفع في مستقبل اليمن.
هادي غرق في مسبح حزب الإصلاح وانتهى، ولم يعد هناك صوت له في الواقع، الأصوات التي تصدح هي الأطراف التي أنتجتها الحرب والظروف ولها المشروعية التي على أساسها ظهرت وحملت مشاريعها المختلفة.
رغم كل الدعم الكبير الذي حصل عليه هادي من الأمم المتحدة والتحالف العربي وتسخير كل الإمكانات السياسية والمالية والعسكرية إلا أنه فشل في أن يكون رئيساً للجمهورية لعل ذلك نتيجة التزاوج بين هادي وأم هادي "حزب الإصلاح"، واكتفى بأن يكون زوجاً ليس له قرار ومنزوع السلطة في بيت الزوجية السياسي.
*عنوان المقال مستوحى من قصيدة للشاعر اليمني الكبير عبدالله البردوني بعنوان: رسالة إلى صديق في قبره