سيطرة عبدربه وحلفائه حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين) على المشاهد في عدن سياسيا وعسكريا وأمنيا لن يحبط أهداف ومرامي الرباعية "السعودية الإماراتية الأمريكية البريطانية" حاليا ومستقبلا في اليمن فقط، بل سيدفع بالبلد برمته، شمالا وجنوبا، إلى حضن المحور "الايراني القطري التركي" ضمن صراع المحاور المستعر في المنطقة منذ سنوات، البعض منها لازال جمرا تحت رماد.
الصراع لا تخوضه تلك الدول في اليمن من ذات الخلفيات الفكرية الدينية أو سياسة المصالح التي تعتقد بها الأطراف الداخلية المتحالفة معها، فكما هو معروف في تاريخ الصراعات الداخلية على السلطة المتداخلة مع الصراعات الكبرى في المنطقة، فإن الأطراف في الداخل كلما طال أمد الحرب تتحول إلى مجرد كروت هامشية تدريجيا بيد تلك المحاور الأكثر نفوذا وقوة، تتخلص منها عند أول فرصة تتوافر لها، فيما تبادر أطراف الداخل إلى تغيير ولائها من النقيض إلى النقيض، حينما تشعر باللدغة فورا.
فشل المحور الرباعي خلال الثلاث السنوات الماضية في استغلال أدواته الداخلية المنضوية في إطار ما أطلق عليه (الشرعية) لإعادة رسم اليمن، كما يتصور، دفع به إلى القبول بالأمر الواقع، مع إضفاء بعض التعديلات والتغييرات التي تبقي اليمن في وضع مشلول مستقبلا، ويحتفظ لنفسه بأن يكون اللاعب الوحيد المقتدر على التحكم بالمعادلة وتغيير موازينها كل ما اقتضت الحاجة.
شعر محور السعودية بعد مقتل الرئيس صالح أن الطبخة الممكنة قد اقتربت من النظوج، لم يتبق سوى تسليم الجنوب لجماعة الانفصال، لكي تبقى اليمن عالقة بين مشروعين منبوذين شمالا وجنوبا، وتبقى البلاد التي انهكها العدوان الرباعي ذاته في صراع لانهاية له.
رأت تلك الرباعية أن إنضاج الطبخة الممكنة يتطلب إعطاء بعض المكاسب السياسية والمادية للحوثيين، مقابل استمالتهم ولو جزئيا إلى جانبها، فيما تمنح الإمارات ذلك القدر أمثالهم الانفصاليين في المحافظات الجنوبية، مقابل استمرار سيطرتها على الممرات البحرية اليمنية، وإشغال اليمنيين في حروب عبثية بالداخل لمبررات ومسوغات تتغير كلما اقتضت المرحلة.
كان يتطلب تنفيذ ذلك المشروع إسقاط رأس ما يسمى ب"الشرعية" المزعومة، ليلحق هو الآخر برأس صالح، غير أن الأحداث في الأرض، كما تفيد إلى حد الآن، تقول إن حلفاء أبوظبي فقدوا السيطرة على عدن، لصالح طرف عبدربه والاخوان الأشد عداء للإمارات في المنطقة، والأكثر التصاقا وتماهيا مع الدول المعادية لها: قطر وتركيا.
الأحداث لم تكشف لهم فشل سياساتهم وضعف مجلسهم الزبيدي الانتقالي وأنهم خسروا المعركة في اليمن لصالح قطر وإيران ضمن صراع المحاور فقط، بل قالت لهم، أيضا، وبالفم المليان على مستوى الداخل، إن اليمن عصية عليكم مكركم وخداعكم حتى لو ارتديتم ملابس الخواجات الأنيقة والنظيفة.