مصطفى محمود

مصطفى محمود

تابعنى على

المطرفية وحزب المؤتمر.. عندما يعيد التاريخ نفسه في اليمن

منذ ساعتان و 31 دقيقة

في اليمن، يبدو أن التاريخ لا يكتفي بالتكرار، بل يعيد إنتاج نفسه بأدوات جديدة. من زمن المطرفية في القرن السابع الهجري، إلى حزب المؤتمر الشعبي العام في القرن الحادي والعشرين، تتكرر حلقات الإقصاء والإبادة، وكأن السلطة السلالية لا تعرف طريقًا آخر لترسيخ وجودها سوى محو اليمني المختلف.

كانت المطرفية جماعة داخل الزيدية، لكنها خرجت عن طاعة الهاشمية الامامية المألوفة، أي أنها رفضت فكرة أن الإمامة حكر على "البطنين"، وقالت ببساطة: "الإمامة لمن يستحقها، من أي مسلم كان، ما دام عالمًا مجتهدًا". هذا الطرح لم يعجب السفاح عبد الله بن حمزة، فاعتبرهم خطرًا وجوديًا، وشن عليهم حرب إبادة تدريجية انتهت باجتثاثهم في مجازر دموية، وحرق كتبهم، وتشويه تراثهم. لم تكن مجرد معركة سياسية، بل كانت إبادة سياسية وفكرية ودينية واجتثاثاً بشرياً بالكامل.

بعد قرون، وفي مشهد لا يخلو من التشابه، وجد حزب المؤتمر الشعبي العام نفسه في مرمى نيران الحوثيين. منذ مقتل رئيسه السابق علي عبدالله صالح عام 2017، بدأ الحزب إبادة تدريجية من حيث تفكيكه ومصادرة أمواله. واستثماراته وإغلاق مقراته. والدفع بقيادات هاشمية داخل الحزب تسيطر على مفاصل الحزب، تقتل وتنكل وتشرد وتعتقل كوادره. بل حاولت أن تمحو هويته، ليصبح مجرد تابع بلا روح ولا تاريخ.

أنا كباحث سياسي لم أجد توصيفاً لما يحدث غير أنه "إبادة سياسية صامتة"— قليلة الدماء، مقارنة بالمطرفية، لكن النتيجة واحدة: اختفاء الخصم.

 التشابهات لافتة بين الماضي والحاضر، برغم أن الزمن تغيّر، إلا أن الأسلوب الهاشمي بقي كما هو:- كلا الحالتين تسعيان لإلغاء المختلف تمامًا، سواءً كان تيارًا فكريًا أو حزبًا سياسيًا.

- ابن حمزة استخدم السيف، وعبدالملك الحوثي يستخدم الاعتقالات، الإعلام، والإذلال.

- النتيجة؟ فراغ. المطرفية خلّفت فراغًا فكريًا ووجودياً، وحزب المؤتمر مهدد بفراغ سياسي ووجودي.

وهنا يبرز السؤال: هل تنجح الإبادة فعلًا؟....

التاريخ يقول لا. فدماء المطرفية ظلت ولسوف يستمر لعنة سرمدية يلاحق الأئمة ووصمة أخلاقية على السلاليين. وحزب المؤتمر، رغم ما يمر به، سيبقى شاهدًا على جرائم الهاشميين وفشل مشروعهم في بناء شرعية حقيقية. لأن الشرعية لا تُبنى على أنقاض الآخرين.

الواقع الآن: يشهد أن الإبادة مستمرة فحتى اللحظة، فكما تناقلت وسائل الإعلام لا تزال جماعة الحوثي تحاصر منزل رئيس المؤتمر الحالي، الشيخ صادق أمين أبو راس، في صنعاء. وكأنهم يقولون: "نحن مستمرون". لكن هذه الاستمرارية لا تعني النجاح، بل تعني أن التاريخ يعيد نفسه، وربما بنفس النهايات.

الخلاصة..

عبد الله بن حمزة نجح في محو المطرفية، لكن عبدالملك الحوثي لن ينجح بنفس الطريقة مع المؤتمر. لأن الزمن تغيّر، والناس تغيّروا، والذاكرة اليمنية أصبحت أكثر صلابة. محاولة تحويل المؤتمر إلى "مطرفية العصر" لن تمر بسهولة، بل ستتحول إلى وبال وجودي على الهاشميين حتى الأبرياء منهم.. ودليل قطعي على هشاشة المشروع الإمامي الحوثي، وزيف شرعيته.

*من صفحة الكاتب على الفيسبوك