يرى محللون اقتصاديون أن بيان مجموعة هائل سعيد أنعم وشركاه تعبيرًا عن تحديات يواجهها الاقتصاد اليمني، لكنه أيضًا فرصة لفهم كيفية تفاعل القطاع الخاص مع الضغوط الأخيرة التي اتخذتها الحكومة خصوصاً في الجانب المالي. البيان جمع بين المسؤولية الاجتماعية والقلق من استمرار الأزمة، لكنه يفتقر إلى بعض الجوانب الإستراتيجية التي قد تُعزز مصداقية التزاماتها.
فالضعف النقدي وتضخم التكاليف واضح في الواقع المحلي، حيث تهاوت قيمة العملة المحلية بسرعة، قبل أن تستعيد بعض من أرباحها كما هو الحال الآن، وعند الارتفاع للعملات الأجنبية أصبحت الواردات أكثر تكلفةً بنسبة تفوق قدرة أي شركة على امتصاصها لفترة طويلة. هنا، تتحدث المجموعة عن "التزامها بعدم رفع الأسعار"، وهو موقف إيجابي من زاوية العلاقات العامة، لكنه يطرح سؤالًا حاسمًا.. كم يمكنهم تحمل الفرق بين التكلفة الحقيقية والسعر المعلن؟
في الاقتصاد يقال لا يوجد شركة تُقدم خسارة دائمة. إذا استمرت أسعار صرف الدولار في الصعود، فإن هامش ربح المجموعة سيقل حتى يُصبح غير مستدام، ما قد يُجبرها لاحقًا على رفع الأسعار بشكل جذري، مما يُفقدها مصداقيتها.
ويرى محللون لو أن المجموعة أضفوا توقعات زمنية أو شروطًا محددة للاستمرار كالتزام مشروط مثل (حتى استقرار سعر الصرف) لكان ذلك أكثر واقعية.
فالشركات الكبرى في أزمات مشابهة (مثل شركات الطاقة في فنزويلا أو لبنان) تُحدد آليات واضحة لربط أسعار منتجاتها بالمؤشرات الاقتصادية، وهوما ينطبق على الواقع اليمني او ما تعتقده المجموعة على أقل تقدير.
فعندما تنتقد المجموعة "الإجراءات غير المدروسة" دون توضيح، فهي تلمح إلى سياسات حكومية أو مصرفية عشوائية، خصوصاً الإجراءت الأخيرة للبنك المركزي وتهاوي أسعار الصرف للعملات الأجنبية. هذا النقد موجه بشكل غير مباشر إلى البنك المركزي اليمني، الذي يُعاني من انقسام سياسي ونقص السيولة.
أضف إلى ذلك لو ذكرت المجموعة أمثلة على هذه الإجراءات مثل.. التأخير في توفير العملة الصعبة للمستوردين، لكان ذلك أقوى في تشكيل الرأي العام. ففي الأسواق الناضجة، تُستخدم مثل هذه البيانات كأدلة لدفع التغيير، بينما في الواقع اليمني حيث الاقتصاد المتدهور تبقى رسائل عامة.
الشئ الإيجابي في البيان تركيزه على المواد الغذائية الأساسية.. وهي استراتيجية ذكية، ففي الأزمات، تكون السلع غير القابلة للتعويض (مثل الدقيق والسكر) الأكثر تأثيرًا على الاستقرار الاجتماعي، مما يمنح المجموعة موقعاً استراتيجياً كشريك حكومي غير رسمي.
فالتحدي الكامن يتلخص في إذا لم تدعم الحكومة المجموعة عبر تسهيلات مالية أو تخصيصات عملة صعبة، فإن وعودها بتوفير السلع بأسعار مخفضة قد تتحول إلى عبء. وهذا بحد ذاته نموذج مطابق لما يحصل مع الشركات الوطنية في دول مثل مصر أو الهند حيث تعتمد على دعم حكومي مباشر، وهو ما يبدو غائبا في اليمن واوضحه البيان.
الواقع الاقتصادي بحسب البيان يجعل المجموعة تطالب بالتنسيق مع الجهات الرسمية، لكنها تتجاهل الواقع السياسي المعقد في اليمن. في ظل وجود حكومتين متنازعتين إحداهما معترف بها والأخر غير شرعية، وتأثيرات إقليمية كبيرة، كيف ستُترجم هذه المطالب إلى إجراءات؟
ولو طالبت المجموعة بآليات محددة مثل تشكيل لجنة مشتركة لتحديد أولويات الاستيراد أو إعادة هيكلة آلية توزيع العملة الصعبة لكان ذلك أكثر فاعلية.
البيان كشف المخاطر المعلَقة على كتف المجموعة حيث الربحية مقابل الشعبية فكلما طال أمد تحمُل المجموعة لخسائر التكلفة، كلما زادت فرص انهيارها المالي’ ففي عالم الاقتصاد يتم دراسة مؤشرات نسبة التكلفة إلى الإيرادات لقياس قدرة تحمل الشركات، و بدون بيانات مالية معلنة، يصعب تقدير مدى خطورة هذا الموقف على المدى المتوسط.
كذلك يبرز من السياق الشكوى من المنافسة غير العادلة، فإذا كانت هناك شركات أخرى في السوق ترفع الأسعار بينما تلتزم هائل سعيد بالثبات، مما قد يفقدها حصتها السوقية. هنا، يجب تبني سياسات على سبيل المثال الشراكات مع جهات إغاثية لتعويض الخسائر الجزئية.
الخلاصة بيان مجموعة هائل سعيد أنعم وشركاه خطوة إيجابية في فتح حوار حول تحديات الاقتصاد اليمني، لكنه يحتاج إلى الشفافية المالية من خلال الكشف عن تأثير التضخم على هوامش ربحها، بالإضافة إلى التفاوض المباشر مع مسؤولين حكوميين خصوصا قيادة البنك المركزي لوضع آليات دعم ملموسة. واعتماد التفكير الاستباقي من خلال دراسة بدائل مثل تصنيع محلي أو شراكات مع منتجين إقليميين لتقليل الاعتماد على الواردات.
ختاما، الأزمات الاقتصادي في اليمن لن تحلها بالبيانات فقط، بل بإيجاد حلول عملية وشجاعة في اتخاذ قرارات صعبة سواء من قبل الشركات أو الحكومات والسؤال الذي يطرح نفسه هل ستكون مجموعة هائل سعيد جزءًا من الحل أم جزءًا من المشكلة؟ الوقت كفيل بالكشف عن ذلك.
من صفحة الكاتب على الفيسبوك