دم في مسقط، قتلى وجرحى وعمل إرهابي في أحد المساجد بالوادي الكبير في العاصمة مسقط.
هكذا يعيد المشهد نفسه مراراً وتكراراً، وليس هناك من الأنظمة العربية التي تستخدم الجماعات الدينية يتعلم، بأن الجملة الدينية مراوغة لا تستطيع إحكام السيطرة عليها، وتوجيهها في اتجاه واحد، حيث تريد ضد خصمك السياسي أو النظام العدو.
فتحت السلطنة أبوابها لإيواء تيارات العنف الديني، وأعدت مخابرات الديوان السلطاني الميزانيات، لدعم وتمويل نشاطات الجماعات الإرهابية من على أراضيها، وضد دول الجوار وتحديداً اليمن وبدرجة أدق جنوب اليمن حيث الجغرافيا المتداخلة، غير مدركة أنها لعبة مميتة سريعة الارتداد إلى داخل الطرف الممول، وهو ما حدث اليوم الثلاثاء الدامي، كمؤشر أولي له توابعه وصفته المستمرة، في بيئة غير محصنة وغير محمية من العبوات الناسفة وأحزمة الرصاص، خاصة وأن عُمان الاباضية التي تحارب خصومها بهذه الجماعات، هي مذهبياً تدخل ضمن المكفرين بإجماع فلول الإرهاب، وإن شهر العسل بينهما لن يطول كثيراً، حيث في نقطة ما ستتصادم المصالح ويصبح المواطن المختلف، هدفاً مشروعاً من وجهة نظر هذه القوى التكفيرية، وسفك دمه ضرورة للتقرب إلى الله.
مسقط مولت العنف الديني وجعلت من أراضيها منصةً للتحريض المذهبي، ودخلت بكل قوتها الناعمة وغير الناعمة كلاعب في صراع اليمن، حولت خطوط تماسها وتداخلها مع الجنوب إلى مصدر لإقلاق أمنه العام، ووفرت كل الإمكانات اللوجستية لتهريب الأسلحة وتوفير البيئة الآمنة، حد الشركة في رسم المخططات وضخ الأموال، وتهيئة مناخات العمل لكل من القاعدة والحوثيين وكل شذاذ الآفاق ممن يتخفون تحت عباءة الدين السياسي.
من عُمان تُطبخ المؤامرات ضد أمن الجنوب والشمال، في الأولى بدعم خلايا الموت وإدارتها، وفي الثانية إعادة تسليح الحوثي عبر ممرات التهريب الرسمي، ومن عُمان تدفع الميزانيات لمرتزقة الكلمة، ومن عُمان ينطلق عتاولة الإرهاب، وكأن مسقط في منأى عن شظايا قنابل مؤقتة، وحقل الغام زرعتهما بيدها في داخلها ومحيطها، دون قراءة توابع الزلزال وحساب المواقف التالية.
عملية المسجد الكبير اليوم تعيد التذكير أن الاستقواء بالجملة الدينية، والتسرب عبرها إلى الملفات الإقليمية، وتدخلها في الشأن الداخلي لدول الجوار، سيطرح في أراضي السلطنة مساحة واسعة من الدمار، وأن من يحارب بالمذهب يُقتل بالمذهب، والسلطنة المختلفة عن محيطها والعالم العربي في تركيبتها الدينية، هي أحوج لثقافة التسامح لا الخوض دعماً للإرهاب وتمويلاً لصراعات المذاهب.
من صفحة الكاتب على إكس