أمين اليافعي

أمين اليافعي

تابعنى على

عن صفقة ترحيل مقاتلي حماس إلى اليمن

Monday 01 April 2024 الساعة 12:12 am

في إطار المفاوضات العسيرة بين إسرائيل وحماس يجري مؤخرا الحديث عن ترحيل مقاتلي الأخيرة من غزة إلى بلد آخر، كأحد أبرز الشروط التي تُشدّد عليها إسرائيل في مقابل الرضوخ لمطلب وقف عملياتها العسكرية في غزة. أكثر الترشيحات تُشير إلى أن وجهة الترحيل ستكون المناطق التي تُسيطر عليها الجماعة الحوثية في اليمن.

والحقيقة أن الصحافي الفلسطيني أيمن خالد قد تحدث منذ وقت مبكر -بعد هجوم 7 أكتوبر الماضي- على منصة إكس عن سيناريو ترحيل مقاتلي حماس من غزة، متوقعا تكرار السيناريو ذاته الذي حدث للمقاتلين الفلسطينيين في لبنان في ثمانينات القرن الماضي. ورجّح خالد أن يكون الحوثي هو الطرف الأكثر ترشيحا للقيام بواجب الضيافة، ولأكثر من سبب: كونه ميليشيات لا تخضع للقواعد والقوانين الدولية وبإمكان قادة حماس الإفلات من الملاحقات القضائية، واستفادة الحوثي من هؤلاء المقاتلين في صراعاته المحلية... إلخ.

في الفترة الأخيرة يتم تداول هذه الفكرة/الصفقة على نحوٍ علنيٍّ وواسع ومن عدّة مصادر، ولعل ما يُعزز حقيقة وجودها على رأس أجندة المفاوضات هو إعلان وسائل إعلام مقربة من قطر -التي تلعب دور قناة خلفية للمفاوضات بين إسرائيل وحماس- عن مساع قطرية، وبالاستعانة بالأميركان، لانتزاع التزام من إسرائيل بعدم استهداف قادة حماس في المنفى المُنتظر، وهي صيغة تشي بأن المفاوضات حول الترحيل ووجهته باتت في مراحل متقدمة، ولم يتبق سوى التفاوض حول مسائل ما بعد الترحيل.

إذا تمت الصفقة فستكون إسرائيل هي الرابح الأكبر بكل تأكيد، فقد استطاعت تمرير كل ما خططت له، حتى يبدو وكأن الأمر قُدِّم لها كمكافأة نهاية خدمة بعد الدمار الرهيب الذي أحدثته في قطاع غزة والمجازر المفزعة.

استفادة الفلسطينيين من إبعاد هذه الجماعات، التي تاجرت بقضيتهم وكانت سببا رئيسيّا في حصول هذا الدمار، ستكون مرهونة بمدى التزام إسرائيل والمجتمع الدولي، من خلال ممارسة ضغوطه على الأخيرة، بالمضي بخطوات جادة في مسار السلام القائم على حل الدولتين. وفي ظل الوضع الراهن والتعقيدات الإقليمية والدولية يبدو هذا المسار بحاجة إلى مُعجزة!

ظاهريا قد يُشكِّل ترحيل مقاتلي حماس إلى بلد آخر موقفا مُحرجا للدول التي يُحاول إعلامها إظهار مساندة كبيرة لما يصفه بـ“المقاومة” ويُشيد بخصال الثبات ويُبشِّر الجماهير العريضة بقُرب النصر، خصوصا وأنها الدول ذاتها التي تُشرف حاليّا على صفقة “ترحيل المقاومين” عن أرض المعركة المُقدسة. ربما تُراهِن هذه الدول من خلال هذه الصفقة على العمل على أكثر من بُعد: الخروج من المأزق الكبير الذي وضعوا أنفسهم فيه مع إسرائيل والدول الداعمة لها بعد مغامرة 7 أكتوبر الكارثية بإخماد الجبهة الفلسطينية تماما، وفي المقابل الاستفادة من هؤلاء المقاتلين في ملفات أخرى ضد خصوم إقليميين يبدو أن المواجهة معهم باتت لدى هذه الدول ذات أولوية عوضا عن المواجهة مع إسرائيل، خصوصا بعد محاولة إثارة وتجييش الشارع العربي ضدهم بإظهارهم كمتخاذلين أمام ما يجري في غزة.

بمعنى آخر، عوضا عن المواجهة الشكلية مع “الصهيونية” -غير المقدور عليها- سيتم الالتفات كليّا إلى مواجهة من تم تصنيفهم “متصهينين” كهدف ترتبط به كل الأولويات. وهذا يعني أن الجبهة الإسرائيلية – الفلسطينية ستذهب إلى التهدئة، بينما ستتحول مناطق أخرى كاليمن إلى ساحات صراع مشتعلة جدا.

وفي هذا السياق يظل الحوثي كميليشيات لا تخضع لأي قواعد أو التزامات، وفي كل الأدوار التي يقوم بها، مُسْتَقْبِلا ومُصَدِّرا لكل الشرور، وهو مستعدٌ دوما للقيام بأي أدوارٍ مهما كانت كارثيتها.

أما “خطة السلام” التي أعلن عنها فتبدو وكأنها عبارة عن مقبلات خفيفة لتضييع الوقت ولمنح الحوثي حيزا زمنيا لترتيب أوراقه، ولشق عصا “التحالف العربي”. فبعد أحداث البحر الأحمر اتضح أنه لن يكون بالإمكان الرهان على أي طرف دولي -حتى أميركا أو الصين- للقيام بمهمة كبح جماح الميليشيات التي تدعمها إيران ودول إقليمية أخرى، خصوصا وأن إيران تستطيع دوما الإفلات من تحمل تبعات أي أفعال، ولن يكون هناك ما هو أشنع عليها من ردات الفعل بعد هجوم 7 أكتوبر، والتي أفلتت منها.

وبينما تحتاج الدول الإقليمية، التي تقع على الطرف المقابل، إلى تطوير استراتيجية أمنية مشتركة تعتمد على قدرات هذه الدول لمواجهة كل هذه التحديات التي تتعاظم مع مرور الوقت، يظل السؤال مفتوحا حول قدرة الحكومة اليمنية ممثلة بمجلس الرئاسة على القيام بأي خطوات عملية حقيقية لقطع الطريق على كل المحاولات الرامية إلى تأهيل الحوثي إلى “بلطجي” عابر للحدود!

*جريدة العرب اللندنية