يعجز عن وصول المدينة.. بينه وبين بيته في التحرير وسط المدينة المحررة دواهٍ وموت..
منذ تسع سنوات نسى أهله هنا، وأهله هنا أضاعوا ملامحه!
ذات يوم ماتت كريمته هنا وفشل في إلقاء نظرة الوداع وتقبيل رأس دمه الذاهب وإلى الأبد.
كلما أراد إيجار دكانه الشهري في حي السعيد وصل إليه ثلث المال المفروض شهرياً، وكلما نظر من رأس شرعب إلى المدينة هطلت دموعه!
دموع المفارق لشيء يخصه.
ورفض الرجل ذاته تزويج ابنته لمن يستحقها وأكثر، من مغبة البعد والفراق، وكأنها ذاهبة إلى بلاد في مجرة أخرى، قال للعريس: آسف يا ولدي.
ابنتي الوحيدة..
لا يمكنني رميها هكذا إلى المجهول.
كيف صارت المدينة مجهولاً والداخل فيها مفقود وبعيد ولا يمكن أن يرى مرة أخرى وأنت تراها بعينك المجردة.
..
الشاب الذي فشلت مساعيه بلم نفسه مع من أحب كفى للأب أن بيته في المدينة المحاصرة ليرفض،
وعلى بعد رقصة، بعد قبلة،
على بعد تنهيدة وزفرة مأسوف، فقط!
إنه الحصار، حصار المدينة لتسع سنوات قطع كل شيء، وصارت نيودلهي لمواطن تعزي في المخا أقرب من شرعب في نصف تعز الآخر، وأن تسافر إلى تركمانستان أسهل وأيسر من سفرك إلى الحوبان، فالحصار قد يكون بين بيت وآخر، وهو أن تضع الحد، وتفرض حدود دخولك بيت جارك.
والحصار أن ترى بيتك وتعجز عن القفز بلهفة المشتاق إليه وأن تعاني، وتنسى كل ماضيك، ويعيد الوقت رسم جغرافية روحك..
هذا الواحد، كتب منشوراً على فيسبوك مندداً بمصر ويطالب بفتح رفح، نعم،
معبر رفح، وتقول لو قرأت منشوره أنه الداهية القادر على مسح كل بغاة الأرض، من الخارطة، ولم أجده لو مرة واحدة قد كتب وقال فكوا عن مدينة تعز الحصار..
لا أريده أن يكون منّا بقدر إرادتي أن ينتمي لنفسه، ويخفف متاعبه، ويطالب بما ينفعه، باسمه واسم المتعبين لا باسم أي طرف.
من لا ينتمي لمتاعبه لا ينتمي لأحد آخر.
لا يمكن لإنسان أن يستقل سيارة مع شخص لم يسق بعد، وكذلك لا يمكن لأحد أن يصدقك ويؤمن بما تفعله طالما أنت ذاتك لم تفعل لك ولأهلك، أي شيء،
فالأولى أن ترفع عنك الظلم لتنادي برفع الظلم عن الآخرين، أن تبحث عن راتبك وعن الطريق وعن الكرامة قبل أن تطلبها بعيداً للبعيد.
فمن يصدقك أيها الشرعبي، أيها التعزي، من يصدقك أيها اليمني؟
زمن بلا نوعية، بلا أولويات، بلا رجال، بلا أدب، فمن يعيد صواب العقليات، وأبشع ما حدث لنا بهذه السنوات ليس الموت والدم والهدم بل تنامي الغباء، وتحوله إلى وجهة نظر، وله قادة وأتباع وفدائيون.
كيف لابن مقبنة أن يسافر إلى صنعاء ليرفع لوحة فك الحصار عن مدينة بعيدة، في ساحل الشام؟
ابن ماوية، لا يحق له أن يفعل ذلك، وابن الحجرية وصبر وكل هذه المدن المحتلة.
طالما وابن إب يعجز عن الوصول إلى مدينته ويشتاق لصديقه في إب الذي بدوره يصعد إلى صنعاء للمشاركة في مسيرة مضحكة حزناً على الآخرين، فمن حقه أن يبكي وأن يقفز عارياً إلى البحر!
لو أنها تقية من الناس البسطاء لما حزنت، لو أنها سياسة، لو أنها نكاية، لكن الناس العاديين الذين يبكون على ضحية في الأرض البعيدة، ولا تهزهم دماء آلاف من اليمنيين هنا، يقتنعون أنهم بالجانب الصحيح، لقد دُجِنت عقولهم إلى هذا الحد من البعد المنطقي عن أنفسهم.
أن تزايد يمكنني التبرير لك..
مشكلتي معك إيمانك بما تفعل، وتحويلهم إياك إلى روبوت مسير، والطيران المسير هو ربيب الحشد المسير، كله تسيير، تقوم به دوائر الدعاية
والشائعات، والتضليل، والفذلكات السوداء، فهل لك أن تفهم؟
من صفحة الكاتب على الفيسبوك*