بغض النظر عن أشياء كثيرة سلبية. تقتضي الأمانة الثناء على الرئيس الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" في شيئين:
أولاً: لأنه فعل أشياء لم تكن متوقعة.
وثانياً: أنه لم يفعل أشياء كانت متوقعة.
على الجانب الأول: نجح الرجل في الملف الاقتصادي والخدمي، وهو شيء لم يكن متوقعا من رجل يرفع شعارات ديماغوجية تحث على العنصرية والكراهية، وحكم عليه بسببها بالمنع من ممارسة الحياة السياسية لفترة.
على الجانب الثاني، وهو الأهم: أنه لم يقم بنسف البنى الأساسية للديمقراطية والعلمانية التي وصل في ظلهما إلى السلطة، بخلاف ما كان متوقعا من رجل يتبنى أيديولوجية دينية سياسية شمولية.
عندما صعد أردوغان إلى السلطة دخلت زوجته إلى البرلمان بالحجاب، وتم الاعتراض عليها، لتحدث ضجة حول قضية الحجاب، وكان متوقعا أن رئيسا يدشن عهده بقضية الحجاب، سيفشل في إدارة البلاد، ويعبث بكل ما يتعلق بالمدنية في بلاده.
لكن. وبخلاف ما قامت به "جبهة الانقاذ الإسلامية" في الجزائر، بمجرد وصولها إلى السلطة، عبر صناديق الاقتراع. لم يقم الرجل بإلغاء الديمقراطية، باعتبارها وسيلة كافرة يجوز استخدامها لغاية مؤمنة.
في كل حال لم يكن الشعب التركي، وهو الشعب الأكثر تمدنا وانفتاحا وتشبعا بقيم الدولة والعلمانية في المنطقة، ليسمح له بالعبث بهذا القيم الراسخة منذ عهد مؤسس الدولة التركية الحديثة "مصطفى كمال أتاتوك".
ومع ذلك يحسب للرجل أنه لم يحاول، أو لم ينجح في محاولاته في هذا الصدد، واهتم بالأشياء التي تضمن بقاءه في السلطة في ظل الديمقراطية نفسها، وملف الاقتصاد هو مربط الفرس في هذه النقطة.
لم يقم أردوغان باكتشاف كنوز علي بابا، وتوريدها إلى البنك المركزي التركي. فقط كانت هناك من قبل عراقيل بيروقراطية، تحد من النمو الاقتصادي، وما فعله هو إلغاء تلك القيود، والانفتاح على التجارب والقوى الاقتصادية الحديثة..
وهكذا. بجانب استخدامه للشعارات العاطفية الدينية.. فاز في عدة دورات انتخابية، صحيح تراجعت شعبيته في الفترة الأخيرة تبعا لتراجع نجاحه الاقتصادي، لكن في المحصلة. هذا الأمر، وما يترتب عنه من بقائه أو خروجه من السلطة، شأن تركي محلي، وليس مهما، بالنسبة للمراقب الخارجي، إلا في تداعياته على السياسة الخارجية لتركيا.
حكومة أردوغان تعبث بشكل مدمر في سوريا وليبيا والعراق واليمن.. ونفوذه يهدد مصر ويتمدد على حساب السعودية، وبقية دول العالم العربي، ضمن أجندة لها أبعادها وأذرعها الخارجية، وتجلياتها العملية في السياسات والتدخلات الخطيرة في المنطقة.
أردوغان، بالنسبة لكثير من المتدينين المؤدلجين، بمثابة خليفة المسلمين، امتدادا للدولة العثمانية برمزيتها الدينية العالية في أذهان أتباع بعض جماعات الإسلام السياسي السني، كفصائل جماعة الإخوان المسلمين.
بالنسبة لهؤلاء الانتخابات التركية ليست شأنا محليا، بل صراعا عالميا، وليست مسألة سياسية، بل مسألة سياسية وعقائدية وثقافية شاملة، وليست قضية مرحلية، بل قضية وجودية مصيرية يتحدد عليها مستقبل الصراع الكوني بين الإسلام والغرب، والكفر والإيمان.!