د. صادق القاضي
قمة جدة.. كسابقة عربية على المستوى الدولي
كلقاءات روتينية لا تتمخض عادةً عن شيء مهم بالنسبة للإشكالات والطموحات العربية.. لم تعد القمم العربية تثير اهتمام الشارع والنخب العربية، وإن ظلت تنعقد دورياً وبشكل بروتوكولي تحت مظلة الجامعة العربية.
على هذا المحك، تكتسب قمة جامعة الدول العربية في دورتها الراهنة في جدة، أهميتها، كإشارة لمحاولة خروج من هذه الدائرة المألوفة، عبر مبادرات متعددة تتضمن الاختلاف والسعي للتغيير النوعي، بدايةً بمحاولة إصلاح الجامعة العربية نفسها.
كالعادة، انصب اهتمام هذه القمة، بشكل تقليدي، على القضايا العربية الأكثر إلحاحاً وتأزماً سياسياً وعسكرياً كالصراعات الأهلية في سوريا وليبيا والسودان، والموقف العربي من القضية الفلسطينية، وأكدت على الموقف العربي والسعودي من القضية اليمنية.
غير أن القمة تضمنت الجديد. بتجاوزها حدودها التقليدية المنحصرة في القضايا العربية، إلى السياق الدولي. واتخاذ موقف عربي مشترك في ظل صراعات دولية كثيرة وساخنة، ومحاولات القوى الدولية الكبرى، استقطاب الموقف العربي لصالحها في هذه الصراعات.
من جهته أرسل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برقية للقيادات العربية المجتمعة، مبيناً استعداد روسيا للتعاون مع الدول العربية لحلّ أزمات المنطقة، في حين حضر الرئيس الأوكراني زيلينسكي، بنفسه، هذه القمة، وشارك فيها بكلمة وضح فيها حرص بلاده على الانفتاح على الأفق العربي.
استضافة الرئيس الأوكراني، في هذه القمة، سابقة من نوعها في اهتمامات الجامعة العربية، والموقف العربي المشترك. وفي مقابل أن بعضهم فسر ترحيب السعودية والجامعة العربية بحضور ومشاركة الرئيس الأوكراني، باعتباره ميلاً إلى المحور الأمريكي في هذا الصراع الدولي، مثلت إعادة سوريا إلى الحظيرة العربية علامة على تحرر الموقف السعودي والعربي من هذا المحور.
إعادة سوريا إلى الجامعة العربية قوبلت برفض أمريكي وبريطاني، كذلك محاولة السعودية ومصر التقارب مع إيران، والصين وحتى روسيا، وانضمام بعض الدولية إلى مجموعة "البريكس".. هي مؤشرات قوية على تحول تاريخي في علاقة العرب، كدول وكهيئات جامعة، من الصراعات والقوى والمحاور العالمية.
والأهم أن هذا التحول المفصلي لا يعني مجرد الانحياز إلى محور دولي معين، ضد أو مع محور دولي آخر. بل، كما يبدو وكما نرجو: التموضع، بجانب مراكز التكتلات ومراكز القوى الدولية، كتكتل ومركز قوى دولي مستقل وفاعل، يحافظ على المصالح العربية في المستقبل.
العالم، بكل محاوره، مهتم بالموقف العربي. حتى في ظل هذا التشرذم والسلبية العربية العامة، لكن يمكن لأرضية جديدة جادة، من العلاقات الإيجابية بين الدول العربية، أن تتمخض عن جامعة عربية لها كيان وتأثير دولي على غرار الاتحاد الأوروبي.