فيصل الصوفي

فيصل الصوفي

مزين البضاعة بعين المشتري

Tuesday 16 May 2023 الساعة 08:45 am

حكى لنا صديق أنه لم يتمكن من دفع إيجار الشقة في صنعاء لأن راتبه قُطع مثل سائر رواتب الموظفين، فقال له المؤجر اترك الشقة وأنت معفى من دفع إيجار الشهور الثلاثة الأخيرة.. قال: المؤجر محترم وحسن المعاملة، ولم يكن لدي خيار أمام كرمه إلا القبول بالعرض، فاستأجرت غرفتين وحمام ومطبخ في عمارة قديمة بمبلغ مالي مقدور عليه، وفي اليوم التالي نقلنا أثاثنا، فرشنا، أجهزتنا المنزلية، وفي اليوم الثالث اكتشفنا أننا دخلنا بيتا فيه سكان: فئران، صراصير، قمل، براغيث، وهوام من كل نوع، إذا ذهبنا للنوم خرجت من الجحور والشقوق. فقال للمؤجر يا صاحبنا أجرت لنا بيتا مسكونا.. فأرشده إلى محل في الشارع المحاذي لسور الجامعة وقال له ذاك يبيع المركبات الكيميائية التي يستخدمها المزارعون وسوف يحل لك المشكلة التي تركها المستأجر الذي قبلك.

قال: ذهب بصحبة زوجتي وأوقفت السيارة في الجهة المقابلة للمحل، ونظرنا فإذا مكتوب على اللوحة اسم المعرض والخدمات التي يقدمها للزباين: سم الفئران، سم الصراصير، سم القمل بجميع انواعها، رش الارضيات الموحلة، تنظيف الجدران المتسخة، مواد إزالة الروائح المنبعثة من غرف النوم والسجاد والفرش القديم والملابس.. فقلت لزوجتي: هيا انزلي اشتري ما يحتاج إليه البيت الجديد.. قالت: انزل أنت، أما أنا لن اتحرك من مكاني، ولا اخطو خطوة. قد انت تقرأ المكتوب على اللوحة والابواب، فمن يراني سوف يقول لماذا هذه جاءت إلى هذا المحل، أكيد أنها قذر ما تعرف النظافة ولا تنظف، ولا تعرف الذوق، بيتها معفن، فرشها مخن، مطبخها مجيف، ووو، وتعيش مع الفئران والقمل والصراصبر وووو..

قال: فأدركت حينها مغزى المقولة الشعبية القديمة التي سبكها الأجداد: سبحان مزين البضاعة في عين المشتري.. وأدركت أيضا تأثير الإعلانات الدعائية الجديدة في سلوك ومواقف المتسوقين، وفي مصالح البائعين.

قلت له هذا صحيح.. ينصح مسوقو البضائع أن يكون لكل صنف من السلع زينتها ومكانها المناسبين.. وفي أسرتنا مشتغلين بالتسويق، يقولون إنهم لا يحتاجون إلى جهد كبير لاقناع أصحاب أماكن البيع من أجل شراء كميات كبيرة من السلع التي يسوقونها بكلمات وصور جذابة، ووصلت سمعتها الى المشتري قبلها.. لو أن صاحب ذلك المحل سوق لسلعه بكلمات جيدة لما خسر زبونا مثل زميلي أوزوجته. قال لنا واحد من أولئك المسوقين إن المتسوق يتجه عادة جهة اليمين بعد دخول باب المحل التجاري، بينما تجار غير حذاق يصفوا السلع  المناسبة على الرفوف في آخر المتجر او يساره، ويضعوا السلع الرديئة في الجهة اليمنى، ويريد أحدهم يبيع سلعة فيسوقها لك بعبارات تنفرك منها كصاحب ذلك المتجر.. او يعبئ السكر بأكياس لونها اخضر.

تقبل النساء على شراء صابون مرسوم عليه صورة متخيلة للملكة كليوباترا التي حكمت مصر قبل ميلاد عيسى بن مريم بثلاثة قرون، أي قبل ظهور صابون الاستحمام بأكثر من ألفي عام، لكن النساء لا تهتم للتاريخ بل لصابون زعم المسوقون أن ملكة جميلة عظيمة كانت تغتسل به.. ونقبل على شراء معجون اسنان مغلف بغلاف غاية في الجمال، فوق إنه يتميز برغوته الفعالة ويزيل الغشاء الداكن من ميناء الاسنان كما يزعم المسوقون، بينما من الناحية العلمية لا قيمة للرغوة ولا فعل لها، أما ذلك الغشاء فيمكنك ازالته بدعك الاسنان بأصبعك.