أعوام عديدة من زمن الانقلاب الحوثي على السلطة والشعب والمبادئ الجمهورية، لا يزال الشمال يئن من وطأة السيطرة الإيرانية عليه، ويرزح تحت نير الكهنوت الإمامي وفكره الطائفي السوداوي، واليوم يدخل العام الجديد ولا يزال هذا الوضع يتجذر بشكل أفظع ويتغلغل إلى الجذور ليفكك بذلك البنية الاجتماعية للمجتمع بعد أن فكك البنية السياسية والاقتصادية للدولة، ولا يزال الحوثي يمارس سياساته الطائفية في مختلف المجالات وفي كل مفاصل الدولة والمجتمع، ولكن السؤال الأهم هل كل تلك السياسات والإجراءات الطائفية والعنصرية قابلة للديمومة والاستمرار في الشمال؟؟
الهدنة التي تمددت تلقائياً بدون أي اتفاق بعد أن استمرت لأشهر فتحت الباب أمام الحوثية الإرهابية التشدد أكثر في ممارسة السياسات الطائفية والعنصرية، وكشفت حجم الهوة الكبيرة بين هذه الميليشيات وبين المجتمع، حيث أن تلك السياسات أظهرت بما لا يدع مجالا للشك والريبة أمام الناس أنها سياسات لن ينتج عنها إلا سلطة طائفية تصادر حقوق الآخرين تحت مسميات وذرائع مختلفة، سلطة قمعية تحتكر لها كل شيء، وتمثل سياسة الإقصاء واحتكار الوظيفة العامة على أتباعها أحد المؤشرات التي تفصح عن نهج الجماعة الحوثية الطائفي، بالإضافة إلى إقصاء الموظفين الرسميين في الجهاز الحكومي من مرتباتهم في مقابل صرف مرتبات كبيرة بشكل منتظم لأتباعها وخاصة أولئك الذين ينحدرون من محافظة صعدة.
الوضع الإنساني والمعيشي الصعب الذي يعيشه الشمال ينذر بأن العام الجديد سيكون أصعب، وخاصة أن المؤشرات على استمرار الهدنة بشكلها الذي يدعم سياسة الحوثية الإرهابية، أو تلبي تطلعاته من ورائها هي الأقرب من أن تستعيد جبهات القتال تحركاتها وتعود المعركة العسكرية تشتعل من جديد، وخاصة أن الشرعية لم تحسم الأوضاع في الجنوب، ولم تهيئ الظروف الموائمة لانطلاق المعركة من جديد.
المعركة العسكرية التي تمثل أهم الوسائل لمقاومة التواجد الإيراني في الشمال، هي السياسة الناجعة لفرض الضغوطات على الحوثية الإرهابية وإرغامها على تقديم التنازلات من أجل حل سياسي شامل، أو استمرارها لإنهاء التواجد الكامل لإيران وسياساتها واقتلاع جذور الإرهاب الحوثي من معقله الرئيسي في صعدة، وإخراج الشمال من دائرة إيران إلى مربعه العربي، وإلا سيبقى الوضع يراوح مكانه دون تحقيق أي نتائج لوقف الحرب واستعادة الدولة والشمال معاً، ومن أجل هذه المعركة المستحقة يجب أن يكون الجنوب في وضع أفضل ومهيأ لأن يصبح منطلق المعركة نحو الشمال، ولن يصلح وضع الجنوب إلا بإصلاحات أكثر واقعية ومنطقية داخل الهرم الرئاسي وحكومة معين عبدالملك.
ليس أمام الشمال خيارات يذهب إليها في العام الجديد، إلا ما ستفرضه الوقائع والأحداث المتعلقة بالهدنة وكذلك ما سيتم إنجازه من إصلاحات في حكومة معين عبدالملك واستقرار الجنوب، فإذا استمرت الهدنة بشكلها الحالي فهذا يعمق من وضع الشمال المأساوي ويعزز من تغلغل إيران وسياساته، وفي مقابل ذلك إذا لم تستمر الهدنة وعادت المعركة العسكرية واشتعلت الجبهات فإن الحسم شمالاً مرهون بمدى ما ستقوم به حكومة معين من إصلاحات وتحسين الأوضاع في الجنوب، وحشد الطاقات والجهود والإمكانيات نحو معركة الحسم.
الشمال سيبقى رهين السياسة الإيرانية وملفها النووي، وستبقى الحوثية الإرهابية تمارس ألاعيبها وسياساتها الطائفية، حتى تتمكن بشكل كامل من فرض سيطرتها وتمكنها من فرض تهديداتها تجاه الجنوب واستمرار منع تصدير النفط، وكذلك تهديد دول الجوار والملاحة الدولية في باب المندب، ولا يمكن نزع تلك التهديدات والسيطرة إلا من خلال تظافر كل الجهود واستعادة زمام المعركة العسكرية وتحريك كافة الجبهات القتالية في كل المحاور.