فيصل الصوفي

فيصل الصوفي

ابن حمزة الرسي.. والجناية التاريخية التي لا تغتفر

Sunday 16 October 2022 الساعة 03:27 pm

ارتكب الإمام عبد الله بن حمزة الرسي جريمة تاريخية، جففت منبعاً من منابع الفكر العلمي منذ القرن السادس الهجري وإلى الأبد.

هذا الرسي ابن حمزة الذي حكم المناطق الزيدية من مقره في صعدة بداية من العام 594 هجرية واستمر حكمه الدموي 19 عاماً، قتل مائة ألف رجل من فرقة المطرفية بينهم نخبة الفكر الحر المبدع.. قد يبدو لبعض القراء أن الرقم مبالغ فيه، بينما هو أقرب إلى الواقع، بدليل أن الفرقة التي برزت في القرن الخامس الهجري أزيلت من الوجود بداية القرن السابع الهجري، ولم تذكر بعد ذلك.. كان القتل نصيب الذكور، والسبي مصير نسائهم، إضافة إلى مصادرة أموال أتباع الفرقة وجميع ممتلكاتهم الخاصة، وتدمير بيوتهم ومساجدهم في سنع ووقش وريدة.

فعل الإمام عبدالله بن حمزة الرسي فعلته تلك بذريعة أن المطرفية كفار، يقولون بقول مؤسس الفرقة الإمام مطرف بن شهاب العبادي.

كان تهمة المطرفية أنهم طبائعية، أي يقولون إن البيئة الطبيعية تلعب دوراً في تشكيل وخلق الكائنات، كما تلعب دوراً في تطورها، وأن التربة لها دور في تنوع المزروعات، وأن لا علاقة للإرادة الإلهية بشجر أو زرع نبت في مكان غير مناسب، وإنما يحدث ذلك بحكم الطبيعة، وهذا هو ما يعنيه بالضبط قانون الصدفة الذي استقر عليه علم الفيزياء الحديث.

من بين القواعد الفكرية التي قعدها مفكرو المطرفية مبدأ الإحالة والاستحالة.. فالتربة تكون الثمار وتحتوي هذه على العناصر الموجودة في التربة، ثم تأخذ طريقها إلى الإنسان الذي يـثأثر تكوينه بها.. وتقول المطرفية إن البحر هو مصدر السحب الممطر، وهذه السحب تتكون بفعل إثارة الرياح للتراب، وعلق المياه بذرات التراب.

هذه أشتات مما تبقى من فكر المطرفية، إن أحسنا فهمه من الجدل الذي دار بين إبراهيم الوزير ومحمد عزان وبدر الدين الحوثي.. هذه الأشتات من فكر المطرفية لم تؤخذ من كتبهم، بل من كتب خصومهم، ومنهم من سمي جماعة المخترعة، وهؤلاء فقهاء زيديون يعتنقون مذهب المعتزلة، تبنوا الرد على مقولات المطرفية، حيث أوردوا تلك الأفكار بقصد الرد عليها، ولذلك وصلت إلينا، أما تآليف أو كتب فرقة المطرفية، فقد اختفت مع الفرقة نفسها. 

لقد كفر الإمام عبد الله بن حمزة فقهاء ومفكري فرقة المطرفية وأتباعهم، ثم استأصل الفرقة كلها، على الرغم من أنهم ليسوا خصوماً للهادوية التي تعصب لها ابن حمزة وقعد قواعدها، كما لم يصدر منهم ما يفيد أنهم كانوا يعارضون سلطته صراحة، وعلى الرغم من أن مقولاتهم العلمية كانت صحيحة، والعلم اليوم أثبت صحتها. 

كفر الفرقة واستأصلها، لأسباب سياسية بحت، حيث علا شأنهم، وتعاظم تأثيرهم، وشغل الناس بهم، وقد أحدثوا هذا التغيير بينما كانوا محصورين داخل بلدات صغيرة مثل قرية سنع المعروفة في صنعاء، وقرية وقش في بني مطر، وريدة في عمران.

راح ابن حمزة يبرر فعلته تبريراً دينياً، فقال إنهم يقولون إن أصل ماء المطر من البحر، وهم ها هنا ينقضون آيات في القرآن تبين أن المطر ينزل من السماء، مثل الآية: {فأنزلنا من السماءِ ماء}. والآية: {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث}.. ولعل ابن حمزة استحضر من الأثر بحر القدرة الذي قيل إنه موجود تحت عرش الرحمن، ومن هذا البحر تغترف الملائكة الماء الذي ينزل على هيئة المطر!