د. صادق القاضي

د. صادق القاضي

تابعنى على

من "الهبّة الشعبية" إلى "الثورة" و"الربيع العربي".!

Monday 21 February 2022 الساعة 01:50 pm

هل كان مخططاً للاحتجاجات الشعبية في اليمن أن تكون الشرارة الأولى لتظاهرات واحتجاجات شعبية عارمة ستعصف بعموم جمهوريات العالم العربي، ضمن ما سمي لاحقاً من قبل الرئيس الأمريكي "باراك أوباما"، بموسم "الربيع العربي".؟!

ربما، وفي كل حال: 11 فبراير 2011. هو، في هذا المقام، موعد بديل عن موعد تم تأجيله نظريا، أكثر من مرة، من قبل القائمين على هذا الموسم الثوري، ولأسباب ربما تتعلق بأجندة إقليمية ودولية مرنة يهمها مدى تأثير النموذج على الوعي العام للشارع العربي.

لم تكن البداية من بلد مضطرب تقليدياً كاليمن، لتستقطب الاهتمام الدولي، وتحرك الجمهور العربي، كما لو كانت البداية من دولة مستقرة مدنية مثل تونس، وإن كانت مناسبة التظاهرات والاعتصامات في اليمن أكثر وجاهة منها في تونس أو مصر، في ظل أن لا شيء، هنا أو هناك، وخاصةً في اليمن أو ليبيا أو سوريا.. كان يبرر لكل ما حدث.

لكن اليمن، عملياً، كانت الأسبق في الانزلاق والتورط، ولأسباب كانت تبدو حينها أكثر منطقية، من مجرد قيام بائع خضروات بإشعال النار في جسده احتجاجاً على شرطية سيئة في بلد كان من أسرع بلدان العالم في التنمية.! 

في عز برد شتاء 2010م، كانت الحياة السياسية في اليمن تقف على صفيح ساخن، بسبب وصول "الحوار" حول "قانون الانتخابات" إلى طريق مسدود، وتبادل الفرقاء الاتهامات بإفشال مشروع هذا "الحوار الوطني".

الفرقاء هنا هم الحزب الحاكم "المؤتمر الشعبي العام" والأحزاب المتحالفة معه من جهة، و"حزب الإصلاح"، "جماعة الإخوان المسلمين" في اليمن، ومن يقودها أو ينضوي فيها من قيادات قبلية، ومن ورائهم "أحزاب اللقاء المشترك" في المعارضة من جهة أخرى.

من جهته اتخذ الحزب الحاكم خطوة أحادية بتحكيم أغلبيته البرلمانية التي قامت بإقرار تعديلات "قانون الانتخاب"، لإجراء الانتخابات في نيسان القادم، في حين قامت المعارضة بتحكيم الشارع، والدعوة لما أسمتها "الهبة الشعبية".

وهكذا. في شهر ديسمبر 2010. وقبل أن تندلع "ثورة الياسمين" في تونس، كانت المعارضة والقوى التقليدية في اليمن، قد قررت وأعلنت عن توجهها وطريقتها في مواجهة النظام، بنفس الخطوط العامة والتفاصيل التي سادت بداية الاحتجاجات اللاحقة في الدول الأخرى..

لاحقاً، وقبل حلول الموعد الرسمي المحدد للهبة الشعبية". اندلعت ما سميت "ثورة الياسمين" في تونس، فأعلنت بعض القيادات اليمنية، عن تأجيل موعد "الهبة"، للاستفادة من التجربة التونسية التي كانت محط أنظار العالم.

لكن حتى بعد نجاح الانتفاضة في تونس بالإطاحة بالرئيس "بن علي" يوم الجمعة 14 يناير 2011، قام القائمون على الفعاليات الثورية في اليمن بتأجيل موعد "الهبة"، مرة أخرى. انتظاراً لما ستسفر عنه المظاهرات الشعبية المصرية التي اندلعت في 25 يناير، وأصبحت بدورها محط أنظار العالم.

هذا على الصعيد النظري الرسمي، أما على الصعيد العملي الميداني فقد كانت فعاليات هذه الهبة تجري في الشمال والجنوب، طوال شهر ديسمبر 2010 وشهر يناير والثلث الأول من شهر فبراير 2011، وبزخم أكثر أحياناً مما حدث في 11 فبراير.!

 على الأقل:

- في شهر ديسمبر 2010. حدثت اعتصامات ومظاهرات حول مبنى البرلمان في صنعاء، ومظاهرات في بعض المدن الأخرى.

- خلال شهر يناير 2011  خرجت مظاهرات شعبية على نطاق واسع في بعض المديريات والمدن الشمالية والجنوبية.

- السبت 15 يناير 2011م بدأت الاحتجاجات من جامعة صنعاء بمظاهرات طلابية وأخرى لنشطاء حقوقيين نادت برحيل صالح وتوجهت إلى السفارة التونسية.

- أمام التظاهرات المتصاعدة، أعلن الرئيس صالح في 23 يناير2011م، أنه لن يرشح نفسه لفترة رئاسية جديدة ولن يورث الحكم، وفي 24 يناير قال "إن اليمن ليست تونس".

- في 27 يناير خرج ما قيل أنه يقارب 16,000 متظاهر. تنديدا بالأوضاع الاقتصادية والسياسية، ومنادية بإسقاط الرئيس صالح.

- في 2 فبراير تظاهر. ما قدر أنه 20,000 شخص في الميادين العامة مطالبة بتنحي صالح دون شروط.

- في 4 فبراير أقيمت فعالية شعبية احتجاجية بحشود جماهيرية كبيرة في ساحة صافر بتعز التي أطلق عليها فيما بعد اسم "ساحة الحرية".

- في نفس اليوم. أطلق المتظاهرون أول صيحات هتاف تردد "ارحل"، و"الشعب يريد إسقاط النظام".

- في الأيام، من 6 إلى 9 فبراير خرجت مجاميع من الشباب بصنعاء بمسيرات احتجاجية لتأسيس ساحة ثورية، ودخلت بصدامات عنيفة مع قوات الأمن.

في 11 فبراير 2011 اقتصرت الفعاليات الجماهيرية فقط على خروج مظاهرة طلابية من جامعة صنعاء، ونزول عدد محدود من الشباب اليساري للتظاهر والاعتصام في شارع جمال بتعز عند ساحة ديلوكس.

ومع ذلك اعتبر هذا اليوم موعدا للثورة التي حملت اسمه، وهو شيء لا يعبر عن أهمية الحدث اليمني المحلي المحدود الذي حدث فيه، بقدر ما يعبر عن أهمية الحدث الإقليمي، المرتبط به، وهو إعلان الرئيس المصري "حسني مبارك" التنحي عن السلطة.

بعبارة أخرى. هذا الموعد الرسمي حددته أطراف محلية ودولية معروفة، كانت تدير المشهد برمته، لا الجماهير المشاركة، ولا نزولها الميداني الذي حدث عملياً قبل هذا التاريخ، وهو شيء يمتد إلى مختلف الجوانب المتعلقة بالثورة التي كانت فيها الجماهير في الأغلب، مجرد أدوات لأدوار محددة سلفا.

وبالمناسبة. قبل هذا التاريخ. حدث مراراً. أن قامت مجاميع يسارية شبابية بمظاهرات واعتصامات عفوية مرتجلة في تعز وصنعاء، على غرار ما حدث في مصر وتونس، ورفعت شعارات ورددت هتافات ضد السلطة والمعارضة على السواء. 

لكن. جماعة الإخوان، وهي صاحبة الامتياز في هذه الاضطرابات برمتها، وقفت في تعز على الأقل، ضد تلك الاعتصامات الشبابية اليسارية الأولى، وقامت بمصادرة ما في يدها من أجهزة ومكبرات صوت.. فقط لأنها خرجت بشكل خارج عن السيطرة.!