الصليف.. قصة ميناء منذ الاحتلال العثماني حتى الاحتلال البريطاني (6)

المخا تهامة - Thursday 13 June 2019 الساعة 11:24 pm
المخا، نيوزيمن، كتب/ أ.د عبدالودود مقشر

الدور العسكري للصليف في الحرب العالمية الأولى:

لمتابعة الحلقات السابقة:

الصليف.. قصة ميناء منذ الاحتلال العثماني حتى الاحتلال البريطاني (1)

الصليف.. قصة ميناء منذ الاحتلال العثماني حتى الاحتلال البريطاني (2)

الصليف.. قصة ميناء منذ الاحتلال العثماني حتى الاحتلال البريطاني (3)

الصليف.. قصة ميناء منذ الاحتلال العثماني حتى الاحتلال البريطاني (4)

الصليف.. قصة ميناء منذ الاحتلال العثماني حتى الاحتلال البريطاني (5)

اندلعت الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918م)، فكانت الإمبراطورية العثمانية قد أعلنت دخولها الحرب في ذي الحجة 1332هـ / أكتوبر 1914م ضمن دول الوفاق، والتي ضمت الإمبراطورية الألمانية والإمبراطورية النمساوية المجرية ومملكة بلغاريا ضد دول الحلفاء المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وفرنسا والإمبراطورية الروسية وأيرلندا وأصبحت ولاية اليمن مسرحاً للعمليات العسكرية بين القوى المتحاربة، وخاصة الساحل التهامي اليمني المطل على البحر الأحمر وموانئه، فكانت الصليف ضمن الموانئ التي استهدفت ونالها القصف الحربي من البوارج البريطانية.

استمرت العمليات العسكرية البحرية والبرية البريطانية ضد الصليف ما بين شهر محرم 1333هـ / ديسمبر 1914م حتى شهر رجب 1337هـ / أبريل 1919م، فلقد شنت بريطانيا سبع عمليات بحرية من أسطولها الحربي ضد الصليف خلال فترة الحرب وبعدها بقليل، بالإضافة إلى محاولة قام بها بعض المدنيين لإطلاق سراح الأسرى البريطانيين، وجميع هذه العمليات باستثناء اثنتين منها كانت ترمي إلى إسكات المدافع التركية التي تهدد الحامية البريطانية في كمران وسجلها بدقة جون بولدري في كتابه الوثائقي (العمليات البحرية البريطانية ضد اليمن إبان الحكم التركي 1914 – 1919م)، فالغرض من الحرب من قصف الصليف ومحاولة احتلالها تتلخص فيما يلي:

محاولة تحرير بعض الرعايا البريطانيين الذين كانوا بالصليف بصفة موظفين في الإدارة العمومية للدين العام العثماني، أو ممن كان يعملون في شركات المستر جون جاكسون المتحدة Sir John Jackson,s Coy. والتي كانت تعمل على بناء وتطوير ميناء الصليف، وهي شركات هندسية بريطانية كبرى أسسها المهندس السيد جون إدوارد جاكسون (4 فبراير 1851 – 14 ديسمبر 1919م) الرأسمالي والسياسي البريطاني، والذي نفذت شركاته مشاريع عملاقة في مجال الأحواض المائية والبحرية والسكك الحديدية والموانئ في كل من جنوب إفريقيا وسنغافورة وإسبانيا والصليف والتي من المفترض بناء ميناء ضخم لولا اندلاع الحرب العالمية الأولى، وزاد على ذلك أسر طاقم سفينة تجارية بريطانية كان من المفترض نقل الرعايا البريطانيين في الصليف قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى "وكان عدد من البريطانيين قد استخدموا في ملاحات الدين العام العثماني في الصليف، ومن أجل تأمين خلاصهم هبط القبطان هناك ومعه رجلان من سفينة كاواسجي دينشو التجارية (Cowasjee (Dinshaw والسفينة وودكوك ((Woodock في 7 ديسمبر 1914م [20 محرم 1333هـ]، لكن العثمانيين، مع ذلك، قبضوا عليهم واحتجزوهم، وقد بحثت الادميرالية عندئذ إمكانية تأمين إطلاق سراح الموظفين البريطانيين في الدين العام العثماني ((O.P.D وطاقم السفينة وودكوك لكن الضابط البحري الأول نصح بأن ذلك لا يمكن إنجازه"، وهو ما أكده المؤرخ اليمني التهامي الوشلي في كتابه (نشر الثناء الحسن) فقال: "وسبب ذلك أن بابوراً من بوابير الإنجريز يسمى القهوجي وصل إلى كمران، ولمّا قرب منه رمته عسكر الدولة العثمانية بالدفع من الصليف بقلة – قذيفة – وقعت في البابور ولم تؤثر فيه شيئاً، فجاء بابور كبير للإنجريز غاية في القوة والسعة فوجّه الرّمي على الصليف فأحرق نحو النصف من بيوته، وجميع هذا وقع في يوم واحد، فخرج أهل الصليف هاربين بالأرواح فقط أسأل الله أن يدمر الكفر وأهله ويقطع دابرهم، وكان وصول بوابير الإنجليز متظافرة مع تباعدها لأن معهم السلك الهوائي، فعند انفتاح الحرب جرت المخابرة بأسرع من طرفة عين في البوابير."وهكذا ارتكبت بريطانيا جائم حربية يندى لها جبين الإنسانية، بقصف منازل من قشاش وحجارة بأسطولها الحربية فاستشهد المئات من أبناء الصليف.

محاولة التخفيف من الضغط العثماني والتي نجحت قواته في التوغل في عمق مستعمرة عدن البريطانية وخاصة بعد السيطرة على سلطنة لحج والشيخ عثمان، فقد "أحس الانجليز بمخطط الأتراك لاحتلال عدن ولكن الانجليز سارعوا سنة 1915م إلى ضرب الحديدة وبعض الموانئ اليمنية الأخرى مثل الصليف واللحية بمدافع الأسطول".

تدمير القوة الدفاعية العثمانية والتي كانت مسلطة على الحاميات البريطانية المحتلة لجزيرة كمران المقابلة للصليف.

منع تهريب الأسلحة والعتاد للقوات العثمانية وكذلك المواد الغذائية.

إيجاد موطئ قدم في الصليف للمحتل البريطاني للتوغل البري في اليمن.

بدأت العمليات الحربية البريطانية ضد القوات العثمانية في الصليف عقب رفض قائد الحامية العثمانية الاستسلام، فجزيرة كمران دخلتها القوات البريطانية بسلام بغير حرب ولا قتال بعد استسلام الحامية العثمانية في يوم الأربعاء 27 رجب 1333هـ / 9 يونيو 1915م، وتصورت القوات البريطانية أن الأمر نفسه سينطبق على الصليف، فـ"بعد أن أنزل الطراد أمبرس أوف راشيا Empress of Russia حاميات في جزر حنيش وزقر وكمران في 8 – 9 يونيو 1915م [26 – 27 رجب 1333هـ]، تقدم إلى الصليف حيث كان يعتقد أن الأتراك هناك كانوا يمتلكون مدافع يمكن أن تشكل مانعاً لمرور السفن، وعندما رفض القائد العسكري في الصليف الاستسلام فتح الطراد أمبرس أوف راشيا النيران بمدافع 4,7 بوصة على المواقع التي كان يفترض أنها مواقع المدافع التركية، وكان المقصود أن يلي هذا إنزال للجنود لمهاجمة الموقع من أجل البحث عن مواقع المدافع والمسجونين البريطانيين، لكن عند الوصول إلى مكان إنزال القوات المختار، تم اكتشاف قرية ومواقع جديدة، لذلك جدد الطرادان أمبرس أوف راشيا وأمبرس أوف جابان Empress of Japan قصفهما وتركا الصليف وحصنها في خراب، وعندئذ انسحبت السفينتان إلى اللحية." (بولدري، العمليات، صـ 89).

استعدت الدولة العثمانية لتحصين الصليف وتلافي ما وقع لجزيرة كمران من هجوم بريطاني خاطف غير متوقع نتج عنه السيطرة على جزيرة كمران، وشدّ من عزيمة الدولة العثمانية الروح القتالية التي تميزت بها الحامية العثمانية وقائدها بالصليف، والدعم الشعبي في المنطقة، فقد ذكر الوشلي الاستعدادات العثمانية العسكرية فقال: "وفيه – رمضان 1333هـ / يوليو 1915م - ساقت الدولة أربعة مدافع كبار إلى قرية الصليف من مدينة الزيدية بعد وصولها من مناخة، وذلك لتحصين الصليف خوفاً من هجوم الإنجريز الذين قد استولوا على كمران".

أكد ذلك الوثائق البريطانية أنها قد: "وصلت معلومات إلى عدن في الثاني من سبتمبر [23 شوال 1333هـ] تفيد أن الأتراك يخططون للقيام بغارة ضد كمران، تم إرسال السفينتين الحربيتين منتو(Minto) وانتربرايز (Enterprise) إلى الصليف لتدمير الزوارق الشراعية المتمركزة هناك استعداداً للغارة."، وقد ذكر ذلك الوشلي وأن الدولة العثمانية أعلنت النفير العام والجهاد، فلبى نداء الجهاد أهالي المنطقة وقبائلها بكل ما يملكونه من عتاد وعدة محلية ودعم رسمي عثماني بالأسلحة، وكونوا حركة مقاومة يمنية محلية، وخاصة بعد احتلال بريطانيا لكمران ومحاولة احتلال الصليف وفشل ذلك، فـ"في يوم الأحد الخامس والعشرين منه – رمضان 1333هـ - اجتمع جماعة من العرب قد كانت الدولة العثمانية سلمت إليهم بنادق ليكونوا لهم عسكر، فأرادوا الهجوم على الانجريز الذين قد استولوا على جزيرة كمران، فجمّعوا السواعي والسنابيق بمحل يسمى القرية –بالقرب من كمران– ليركبوا فيها فيهجموا عليهم، فشعر بهم الانجريز فأرسلوا بوابيرهم إليهم فأطلقت الرّمي بالمدفع على السواعي المجموعة هناك فتركتها كأن لم تكن، وفيها سفينتان عظيمتان وأحد عشر سنبوقاً وسلّم الله أهلها من القتل."، والسواعي مفردها ساعية وهو اسم عام، يطلق على كل سفينة شراعية، تقوم بسفريات تجارية عند سكان اليمن والجزيرة العربية، وهي ذات صناعة عربية.

هناك فجوة في التواريخ بين الأحداث التي أوردتها الوثائق البريطانية والمؤرخ المحلي وشاهد العيان الوشلي، فالقصف البريطاني على الصليف وتدمير البنى التحتية وتدمير المساجد والمنازل ومناجم الملح حدث لدى الوشلي في رمضان / يوليو لكنه في الوثائق البريطانية حدث في ذي القعدة / ذو القعدة، قال الوشلي بشكل مقتضب عن القصف البريطاني على الصليف: "وفي يوم الجمعة الحادي عشر منه – رمضان 1333هـ / 23 يوليو 1915م - أحرقت الإنجريز قرية الصليف وأخربت بيوتها ومساجدها بالمدافع"، وهو ما تورده المصادر البريطانية بتفاصيل دقيقة فقالت: "وفي سبتمبر 1915م [ شوال / ذو القعدة 1333هـ] قام الطراد أمبرس أوف راشيا مرة أخرى بعمل ضد الصليف بعد قصف شديد على كمران من جانب المدافع التركية صباح اليوم الثالث والعشرين من الشهر [15 ذو القعدة 1333هـ]، وكان الطراد أمبرس أوف راشيا قد وصل أمام الصليف ظهر نفس اليوم وفتح النيران على الأماكن التي يمكن أن يكون بها مدافع، وفي خلال خمس عشرة دقيقة توقف القصف التركي، وبعد ذلك الطراد أمبرس أوف راشيا إلى الخليج الواقع إلى الشمال من الصليف حيث أغرق كثيراً من الزوارق الشراعية، وفي المساء سمعت عدة انفجارات كبيرة آتية من الصليف ولحقت الملاحات خسائر كبيرة، فقد دمر مطحنان للملح وتقريباً الجزء الجنوبي من المدينة، وأربعة أكواخ في الشمالي، وأطيح بمدفع واحد كان على تل إلى الشمال من المدينة، وبدأت الحرائق في أجزاء كثيرة من المدينة، واستمر بعضها مشتعلاً طوال مساء يوم الثالث والعشرين، وفي الصباح التالي شوهد مدفع تركي آخر، لكن الطراد أمبرس أوف راشيا وهو على بعد حوالى 5-6 آلاف ياردة فشل في تدميره".