ثمن الإصرار الحوثي على محاكاة شعار "الموت لأمريكا"

تقارير - Friday 12 January 2024 الساعة 07:41 pm
المخا، نيوزيمن، خاص:

بعد يوم واحد من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2722 الذي أدان فيه هجمات مليشيا الحوثي على السفن التجارية في البحر الأحمر وأجاز للدول المتضررة حق الدفاع عن نفسها وسفنها، جاء الهجوم الأمريكي البريطاني على المواقع العسكرية للمليشيا في صنعاء وأربع محافظات أخرى.

>> حروب الحوثي ضد اليمنيين.. من دماج وحتى "ضربات الفجر".. اعتذر لوطنك يا عبدالملك

>> مجلس الأمن يدين هجمات الحوثيين ويؤيد حق الدول في حماية سفنها

لأكثر من شهرين ظلت المليشيا الحوثية تشن هجمات على سفن النقل الدولية المارة في البحر الأحمر تحت مبرر مساندة المقاومة الفلسطينية ضد العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة. تجاوز عدد الهجمات الحوثية 25، الأخيرة منها تصاعدت في وجه السفن الحربية الأمريكية على إثر إغراق القوات الأمريكية 3 زوارق يستقلها مسلحون حاولوا الاستيلاء على سفينة تجارية مطلع يناير الجاري.

>> مقتل 10 حوثيين بقصف أمريكي على زوارق هاجمت سفينة في البحر الأحمر

خلال هذين الشهرين أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وغيرها تحذيرات متكررة للحوثيين بإيقاف هجماتهم على السفن، لكن الأخيرين وجدوها فرصة للتصعيد العسكري في ما يبدو أنه محاولة لمحاكاة شعارهم الذي ينادي بالموت لأمريكا ولإسرائيل. زعيم الجماعة نفسه، عبدالملك الحوثي، صرح في خطابه قبل الأخير أنه وجماعته كانوا يتمنون منذ البداية أن تكون المواجهة العسكرية بين الجماعة وبين أمريكا مباشرة. 

>> أمريكا: قصفنا 60 هدفاً إيرانياً في 16 موقعاً باليمن.. والسعودية: حرية الملاحة تمس مصالح العالم أجمع

في إشارة إلى أن دول التحالف العربي لم تتمكن من إضعاف جماعته طيلة ثماني سنوات من الحرب.

>> خبراء يمنيون وأجانب: طرد الحوثيين من الحديدة السبيل الوحيد لاستعادة الهدوء في البحر الأحمر

الشرب من نفس الكأس

منذ انقلاب مليشيا الحوثي على السلطة الشرعية في سبتمبر 2014، طالت أضرار المليشيا جميع القوى والأطراف اليمنية الفاعلة في المشهد السياسي، كما طالت دول الجوار التي شكلت بعد ما يقارب سبعة أشهر من الانقلاب الحوثي تحالفاً من عشر دول عربية لدعم الحكومة الشرعية وإنهاء الانقلاب. 

>> تحليل: هل يستمر تدليل أمريكا وبريطانيا للحوثيين بعد القرصنة البحرية؟

لم تتضرر أمريكا أو بريطانيا من المليشيا الحوثية، لكنها دعمت التحالف العربي لوجستياً بحكم الشراكة الاستراتيجية بينهما وبين دول الخليج. وعندما وصلت معركة تحرير المناطق التي سيطر عليها الحوثيون إلى محافظة الحديدة، تدخلت أمريكا وبريطانيا لإيقاف دحر المليشيا من المدينة الساحلية والمناطق المجاورة لها. ولتثبيت ذلك التدخل الذي خدم مليشيا الحوثي بشكل لم تكن تتوقعه، قدمت بريطانيا مشروع اتفاق لإيقاف إطلاق النار في الحديدة عبر الأمم المتحدة وهو ما نتج عنه "اتفاق ستوكهولم"، الذي خرقته المليشيا الحوثية مرارا وتكرارا. ومع ذلك استمر الضغط الأمريكي والبريطاني على دول التحالف والحكومة الشرعية والأطراف المنضوية تحت رايتها، بتسليم محافظة الحديدة وجزء كبير من الساحل الغربي اليمني للحوثيين.

نتائج ذلك الاتفاق كانت واضحة من خلال تطوير الحوثيين للعتاد العسكري الخاص بالدولة اليمنية الذي استولوا عليه على إثر انقلابهم على السلطة، وقد طوروا تلك الأسلحة بمساعدة إيران وحزب الله اللبناني وغيره من أذرع إيران في المنطقة العربية، على مرأى ومسمع من أمريكا وبريطانيا. 

>> تصعيد المواجهة بالبحر الأحمر.. خيارات "صفرية" أمام الحوثي والغرب

وحتى عندما بدأ الحوثيون باستخدام ذلك السلاح، بما فيه صواريخ بالستية وطائرات مسيرة، ضد المنشآت الحيوية في السعودية والإمارات، لم تحرك أمريكا وبريطانيا ساكنا عدا تصريحات بأن من حق السعودية والإمارات الدفاع عن نفسيهما. وها هي أضرار المليشيا الحوثية، وبعد ما يقارب سنتين من الهدنة التي دعمتها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، تطال أمريكا نفسها الواقفة في صف إسرائيل ضد الفلسطينيين ورغم مطالبات الحكومات والشعوب العربية وغيرها من بلدان العالم، بإيقاف المجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.

تحول الموقف الأمريكي

في ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كانت سياسة أمريكا أكثر عدائية تجاه إيران، واتخذت الإدارة الأمريكية عقوبات اقتصادية ضد إيران وانسحبت من الاتفاق النووي الذي أبرم في ولاية الرئيس باراك أوباما. في ذلك التوقيت بين عامي 2016 و2020، تكبدت المليشيا الحوثية خسائر فادحة، سواء على المستوى العسكري أو السياسي أو الاقتصادي، لكن الدعم الإيراني استمر إليها من خلال تهريب الأسلحة، وعوضت المليشيا الحوثية انهيارها الاقتصادي بفرض سياسة الجبايات الجائرة على التجار والمواطنين وهو ما أبقاها متماسكة.

>> هل تضمّ أمريكا اليمن إلى الدول المشاركة في تحالفها العسكري ضد الحوثيين؟

في نهاية ولاية ترامب، ومع تصاعد مطالبات الحكومة اليمنية والأطراف المنضوية معها ودول التحالف العربي، صنّفت إدارة ترامب الحوثيين كجماعة إرهابية. لكن إدارة الرئيس جو بايدن الذي كان يهاجم السعودية منذ أن كان في حملته الانتخابية، أزالت اسم المليشيا الحوثية من قائمة المنظمات الإرهابية. وتعهد بايدن بعد وصوله إلى البيت الأبيض بإنهاء الحرب في اليمن، واستقبل اليمنيون تلك التصريحات بتفاؤل. 

لم يدم تفاؤل اليمنيين ودول الخليج كثيراً، فقد تخلت إدارة بايدن عن حلفائها الخليجيين وانتهجت سياسة أكثر تساهلا مع إيران، كما دفعت باتجاه تثبيت الهدنة التي أبرمت في 2 أبريل 2022، وكان ذلك التاريخ بداية العد العكسي لانفجار خطر المليشيا الحوثية في وجه أمريكا. ورغم ذلك، استغرق الأمر ما يقارب سنتين، مرورا بهجوم الحوثيين على موانئ تصدير الغاز والنفط اليمني وتهديدها باستهدافها مجددا إذا استأنفت الحكومة تصدير هاتين السلعتين اللتين تعتبران المصدر الرئيسي لميزانيتها التشغيلية. لم تأبه أمريكا وبريطانيا بالأزمات المتلاحقة لليمنيين بسبب تلك العدائية الحوثية، كما لم تقرأ التقارب السعودي الإيراني جيدا ولم تستشعر أنه تم بسبب تخليها عن حلفائها العرب أمام التهديد الإيراني لبلدانهم. فقط عندما تضررت بشكل مباشر من هجمات الحوثيين على سفنها وسفن إسرائيل، بدأت تبحث عن الدول الأخرى المتضررة لتشكل معها تحالفاً عسكرياً لردع المليشيا التي تعبث باليمن وتهدد دول الجوار بدعم إيراني منذ تسع سنوات. الآن تواجه أمريكا شعار الموت الذي يرفعه الحوثيون في وجهها منذ إنشاء جماعتهم المسلحة العمياء، لكنها كعادتها دائماً لا تريد أن تدفع ثمن الدفاع عن مصالحها وحدها. ورغم عدم مشاركة الحكومة اليمنية والأطراف التي تحارب الحوثيين في هجمات أمريكا عليهم أو في التحالف العسكري "حارس الازدهار"، فهناك ثمن سوف يدفعه اليمنيون لإصرار الحوثيين على الوصول إلى نقطة المحاكاة الحرفية لشعار الموت لأمريكا ولإسرائيل، وسوف يخضع اليمنيون لأسوأ ابتزاز مليشاوي في تاريخهم إذا لم يقفوا مع الحوثيين في حربهم ضد أمريكا وقد بدأت بقصف أراض يمنية.

>> الحل العسكري.. خيار استراتيجي لردع هجمات الحوثي بالبحر الأحمر