دراسة: السياسة الأوروبية تجاه حقوق الإنسان في اليمن متناقضة ومزدوجة المعايير
تقارير - Tuesday 28 November 2023 الساعة 08:11 pmقالت دراسة حديثة، إن الموقف الأوروبي من انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن يغلب عليه التناقض والتوظيف السياسي للانتهاكات في ما يخدم سياسات دول الاتحاد الأوروبي.
ووصفت الدراسة، الصادرة مؤخراً عن "مركز اليمن والخليج للدراسات"، السياسات الأوروبية تجاه انتهاكات القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بأنها مزدوجة المعايير وتتفاوت من بلد إلى آخر حسب مصالح دول الاتحاد الأوروبي.
وذكرت الدراسة أنه للعام الثاني على التوالي لم تتقدم دول "المجموعة الأوروبية" في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، خلال انعقاد الدورة الرابعة والخمسين للمجلس، التي عقدت في الفترة من 11 سبتمبر إلى 13 أكتوبر 2023 في قصر الأمم بجنيف، بمشروع قرار للمجلس يتبنى تشكيل آلية دولية للتحقيق في اليمن كما جرت العادة خلال سنوات الحرب اليمنية (2015-2021). لكن المجموعة الأوروبية في المقابل تقّدمت بمقترحين للمجموعة العربية في محاولة لتضمينهما مشروع القرار العربي المقدم للمجلس: أولهما، تشكيل لجنة دولية للتحقيق. وثانيهما، تكليف المفوض السامي لحقوق الإنسان بإعداد تقرير سنوي عن حالة حقوق الإنسان في اليمن، إلّا أن "المجموعة العربية" رفضت كلا المقترحين.
واستعرضت الدراسة مراحل عدم التوافق بين المجموعة الأوروبية والمجموعة العربية في مجلس حقوق الإنسان منذ بداية الحرب في اليمن، حين تقدمت هولندا بمشروع قرار للمجلس بتشكيل آلية دولية للتحقيق بينما رفضت المجموعة العربية ذلك المشروع، معتبرة المطالبة المستعجلة بالمساءلة في ظل استمرار الحرب هو نوع من الابتزاز، وأن تلك المساعي المحمومة أثارت التوجس من أن الهدف النهائي منها الضغط بإيقاف التدخل العربي المساند للشرعية وترك الحكومة اليمنية فريسة سهلة للحوثيين.
ومضت الدراسة في استعراض الموقف الأوروبي تجاه حالة حقوق الإنسان في اليمن، حيث استمرت هولندا في تقديم مشروع قرار خلال انعقاد الدورة الـ36 للمجلس عام 2017، لتشكيل آلية تحقيق دولية، في حين تقدمت المجموعة العربية بمشروع قرار مضاد أطلق عليه "مشروع القرار العربي" طالبت المجموعة من خلاله بإسناد "اللجنة الوطنية للتحقيق" ودعمها فنياً ولوجستياً لتتناسب أعمالها مع المعايير الدولية.
وقالت إن المجموعتين حينها توافقتا على مشروع قرار موحد تضمن تشكيل فريق الخبراء بدلا من لجنة التحقيق الدولية ودعم الآلية الوطنية للتحقيق المتمثلة في اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاك حقوق الإنسان التي أعاد الرئيس السابق عبدربه منصور هادي تشكيلها، وعلى أن يبدأ التحقيق من عام 2014، أي منذ اجتياح الحوثيين العاصمة صنعاء وليس من العام 2015، أي منذ بدء انطلاق العمليات العسكرية للتحالف، وأن يدرج القرار تحت البند العاشر المخصص لدعم الدول تقنياً بدلاً من البند الثاني المخصص للتحقيق في انتهاكات الدول.
وأضافت، إنه كان المتوقع أن يقوم تعاون بنّاء بين الولاية الدولية ممثلة بـ(فريق الخبراء البارزين) والولاية الوطنية اليمنية ممثلة بـ(اللجنة الوطنية للتحقيق في الانتهاكات)، إلا أن الإصرار الأوروبي على التوظيف السياسي لملف الانتهاكات حال دون ذلك.
وأشارت إلى أن اختيار الفريق للعاصمة اللبنانية بيروت مقراً لأعماله شكّل أُولى عوامل انهيار الثقة بين المجموعتين، إذ جرى تفسير تلك الخطوة من قبل الجانب اليمني ودول التحالف العربي على أنها تخفي نوايا مضمرة تجاه الشرعية ودول التحالف العربي، لأن بيروت تقع تحت هيمنة حزب الله وإيران، وهو ما يعني إمكانية التأثير على عمل الفريق.
واسترسلت الدراسة في استعراض الشواهد على عدم حيادية الموقف الأوروبي تجاه الحالة الحقوقية في اليمن، حيث تطرقت إلى التقرير الأول لفريق الخبراء الذي أصدره مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان رسميا باسم المجلس وبشكل مفاجئ في 28 أغسطس 2018، وهو التقرير الذي وجه اتهامات للحكومة اليمنية وكل من السعودية والإمارات بأنها "مسؤولة عن انتهاكات لحقوق الإنسان الدولية قد ترقى لجرائم حرب". بالإضافة إلى ذلك، اتهم فريق الخبراء البارزين في ذلك التقرير اللجنة الوطنية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان بأنها غير مستقلة، ووصف عبد الملك الحوثي بأنه "قائد الثورة"، رغم تصنيفه في القرار 2216 كزعيم جماعة انقلابية، وكذلك وصف تقدم القوات الحكومية باتجاه محافظة الحديدة بـ"العدوان".
ولفتت الدراسة إلى أنه رغم الاختلالات الفنية والعيوب القصوى التي وردت في التقرير، والاعتراض الشديد على ما ورد فيه من قبل اليمن والسعودية والإمارات ورفض دول المجموعة العربية في المجلس التمديد للفريق، إلّا أن المجموعة الأوروبية استطاعت من خلال حشد الأصوات في المجلس التمديد له، تحت البند الثاني بدلاً من البند العاشر، لثلاثة أعوام على التوالي بفارق ضئيل في الأصوات، أصدر الفريق خلالها ثلاثة تقارير إضافية، حاول من خلالها تخفيف حدة الانحياز من خلال التطرق لانتهاكات الحوثيين، لا سيما تلك المتعلقة بتجنيد الأطفال والانتهاكات الجنسية ضد النساء في المعتقلات، وزراعة الألغام، واستهداف المدنيين، وحصار تعز، إلا أن الثقة بين المجموعتين كانت قد انهارت بالفعل.
كما أشارت إلى أن الموقف الأوروبي من الانتهاكات في اليمن مرتبط بدرجة رئيسية بالموقف السياسي من الحرب اليمنية والفاعلين المحليين والاقليميين فيها، مضيفة إنه بالعودة للموقف السياسي لدول الاتحاد الأوروبي من عاصفة الحزم، نجد أن فرنسا وبريطانيا -التي كانت لا تزالا عضواً في الاتحاد- أعلنتا تأييدهما للرئيس عبد ربه منصور هادي وللعمليات العسكرية للتحالف في اليمن، وحق السعودية في الدفاع عن نفسها، فيما كانت مواقف باقي دول الاتحاد مناهضة للحرب.
وقالت إنه بالتزامن مع الإصرار الأوروبي على فرض الولاية الدولية للتحقيق في اليمن، انتهجت دول الاتحاد الأوروبي سياسة مغايرة كلياً في سوريا، إذ وضعت الأولوية للمخاوف الأمنية بدلاً من الحقوق، باعتبار بقاء الرئيس السوري حافظ الأسد يحد من تنامي الجماعات الإرهابية من جهة، ويقلل من تدفقات السوريين باتجاه أوروبا من جهة أخرى. كما أوردت الدراسة شاهداً آخر على تناقض السياسة الأوروبية في المنطقة العربية، كما حدث في الحالة الليبية حين افترض الأوروبيون وحلفاؤهم الأمريكيون أن وصول قوات الرئيس الليبي آنذاك معمر القذافي إلى مدينة بني غازي سيؤدي إلى ارتكاب جرائم حرب بحق المتظاهرين، وبالتالي قرروا التدخل العسكري تحت شعار "التدخل الإنساني". وفي الوقت ذاته، واصل الحوثيون اجتياحهم للمدن اليمنية تباعاً بدءاً بمحافظات حجة وعمران والعاصمة صنعاء مروراً بمحافظات الوسط وصولاً إلى عدن، ومع ذلك لم يحرك الأوروبيون ساكناً.
وفي ما وصفته الدراسة بالتناقض المدهش والمحير، قالت إن الاتحاد الأوروبي وعدداً من الدول الأوروبية (ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، هولندا، ليتوانيا، التشيك، استونيا، والنمسا) أدرجت حزب الله اللبناني على قوائم الإرهاب، وفي الوقت ذاته لم يتم تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية، على الرغم من التطابق بينهما على المستوى العقدي والعقيدي والممارسات والتمويل والتبعية لطهران، بل إن الأوروبيين لعبوا دوراً حاسماً في بقاء الحوثيين خارج قوائم التصنيف، وعارضوا بشدة تصنيف إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لهم كإرهابيين قبيل انتهاء فترة ولايته الرئاسية.
وقالت إن الحرب الروسية-الأوكرانية أدّت إلى حدوث تغير جيواستراتيجي في السياسة الخارجية الأوروبية، حيث أعاد الأوروبيون تعريف مصالحهم وأعادوا تموضعهم على رقعة المسرح الدولي، إذ ركزوا اهتماماتهم بشكل مباشر نحو الحرب في أوكرانيا وتداعياتها لا سيما النزوح والتضخم وإيصال المساعدات بشقيها الإنساني والعسكري للأوكرانيين، بالإضافة لأزمة الطاقة، مشيرة إلى أنه في ظل مساعي الحكومات الأوروبية لتأمين مصادر بديلة للطاقة الروسية، سعت لتعزيز التعاون الاقتصادي والأمني بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي وتطوير العلاقات الأوروبية–الخليجية المباشرة في ظل إعادة التموضع الأمريكي في المنطقة.
وذكّرت الدراسة باتفاقية الشراكة الاستراتيجية التي وقعها الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي في مايو 2022، والتي تضمنت 21 بنداً، وشملت ستة مجالات (الشراكة السياسية، الاستقرار والأمن، مكافحة الإرهاب والتطرف، مواجهة غسيل الأموال، مكافحة التغيير المناخي، الشراكة في قطاع الطاقة).
وبحسب الدراسة، فإنه في ظل مساعي الجانبين نحو تطوير العلاقات والانتقال بها من مستوى التعاون إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، انتهج الأوربيون سياسة الصمت لا سيما فيما يتعلق بحقوق الإنسان في اليمن، لكنهم في المقابل خصصوا مبالغ كبيرة لتمويل مشاريع حقوقية وأخرى تتعلق بالمساءلة تقودها منظمات غير حكومية.
وأوردت الدراسة في استنتاجاتها أنه من الواضح أن ذلك التكتيك الأوروبي مرتبط بسياسة عدم اليقين من مستقبل الشراكة الأوروبية-الخليجية، وهو ما يشي بأن الجانبين نجحا في الوصول إلى التهدئة، لكنهما لم يصلا بعد إلى مستوى تصفية الخلافات بشكل نهائي.