كيف تحول المجتمع المدني الأول في الجزيرة العربية إلى "مقاومة".. رمضان شهر النصر الجنوبي على ذراع إيران

الجنوب - Sunday 03 April 2022 الساعة 02:48 pm
عدن، نيوزيمن، خاص:

في مثل هذه الأيام من عام 2015، كانت بداية دحر مشروع إيران وبتر يد مليشيا الحوثي الإرهابية، من العاصمة عدن ببطولات تاريخية سطرها شباب عدن الذين تقاطرت شهاداتهم بدمهم مدافعين عن هويتهم في مواجهة "مغول العصر"، حتى وصلهم الدعم من قوات التحالف العربي وبخاصة جيش الإمارات العربية المتحدة، وبقيادة المملكة العربية السعودية.

تحرير العاصمة عدن كان في يوم له قدسية دينية عند المسلمين وهو يوم السابع والعشرين من رمضان، شهر يوليو، يوم كبح جماح الاحتلال الحوثي من عدن، وقطع الذراع الإيرانية الخبيثة من أرض الجنوب. 

أبناء المدينة الأعرق في المنطقة استخدموا أبسط أنواع الأسلحة منذ بداية تاريخ الحرب 26 مارس وحتى تحريرها في الليلة الكبيرة 27 رمضان 14 يوليو 2015.

إرهاب الحوثي يلاحق عدن 

عقب سبع سنوات من تقهقر الحوثي في عدن لا زال هو وأدواته الإخوانية يحيك المؤامرات ويوظف الإرهاب للنيل من مكتسبات الانتصارات الجنوبية والطعن في ظهر التحالف العربي والمشروع العربي، بسلسلة اغتيالات وتفجيرات استهدفت العديد من القيادات الجنوبية العسكرية والسياسية وحتى المواطنين والإعلاميين إلى اللحظة.

آثار إرهاب الحوثي واضحة الملامح في كل بيت وشارع وحي ومنطقة، وما زالت الصورة أليمة وموجعة، فكم شاب بترت يداه أو إحدى ساقيه تجده هنا وهناك في مكتب أو مؤسسة أو دهاليز السلطات يبحث عن حقوقه في مشهد مأساوي قلما تجده في هذا الزمان.

التحام عدني ضد ذراع إيران 

التحم أبناء العاصمة عدن إناثاً وذكوراً من مختلف الأعمار، سواء في المواجهة المباشرة المسلحة، أو بخدمة المقاتل، إسعاف الجرحى وتجميع كل ما يلزم من المستلزمات الطبية والإسعافية المجانية، أو بالتكافل الأسري، حيث دعمت الأسر بعضها في وقت شهدت عدن أزمة غذائية حادة مع حصار الحوثي لمداخل ومخارج عدد من مديريات العاصمة.. وعبر صفحات التواصل الاجتماعي أو الواتس، تنادى المجتمع الجنوبي في عدن، يرتبون تواصلاتهم ومعركتهم.

وفي شهادات بعضهم بعد النصر، يظهر عظمة وقوة الحسم الجنوبي في مواجهة الحوثي، كانوا ينادون بعضهم: من يعرف قيادة الدبابات.. من منكم قد استخدم مدفعا.. فأغلب المقاومين كانوا مدنيين لم يستخدموا السلاح في حياتهم إطلاقا.

تفاصيل معركة عدن 

قائد مقاومة التواهي يومها، أنيس العولي، تحدث عن تفاصيل معركة عدن واستبسال أبنائها المدنيين تجاه عدو مدجج بالأسلحة الثقيلة والمتنوعة، في وقت سابق في جريدة الأيام، وقال التحمنا بإخواننا الأبطال في مديرية خور مكسر، عند بداية التصدي للحوثيين وصالح، وتحديدا في منطقة (المطار)، وما حوله، وخلال المعركة تم إسناد إخواننا في مقاومة المُعلا لتحرير ميناء المحافظة الذي كان محتلا من قبل قوات الشرطة العسكرية، وتم تطهير الميناء، وأسر 15 فردا من الشرطة العسكرية.

وأضاف، وبعد تطهير الميناء حصلنا على معلومات من الأسرى عن تواجد قيادتهم وأفرادهم، وعددهم 60 فردا مسلحا داخل مقر الشرطة في منطقة (الفتح) بالتواهي، فقمنا بترتيب شباب مقاومة التواهي لمحاصرة مقر الشرطة، كونه المعسكر الأخير لقوات صالح والحوثيين في التواهي، حيث تم تطهير كل المواقع العسكرية فيها، ومنها القصر الجمهوري، واغتنام ثلاث دبابات مع ذخيرتها، كان ذلك قبل بداية معركة المطار، ثم حاصرنا المقر، والاشتباك معهم، وسيطرنا على معسكر الشرطة العسكرية وأسر عدد منها، ثم عدنا إلى جبهة خور مكسر، ونُقلت دبابتان بعد اشتداد المعارك فيها، لكن مع الأسف لم يكنْ معنا غير شباب عدن المدنيين الذين ليس لديهم خبرة في استخدام الأسلحة الثقيلة. كانت معركة خور مكسر شرسة، شارك فيها معظم أبناء مديريات عدن، واستبسلوا فيها بشجاعة منقطعة النظير، وسقط أول شهيد من مقاومة التواهي، وهو الشهيد البطل (محمد الشعوي) رحمهُ الله، وكذا استشهد قائد مقاومة القلوعة البطل محمد الجمهوري، والعديد من خيرة شباب عدن في تلك المعركة.

ولفت لاستعدادهم فيما بعد لمعركة المطار ومعسكر بدر مرتين من قوات الحوثيين وصالح، قائلا: كنا نواجه قوات عسكرية منظمة ومسلحة تسليحا عاليا، بل نواجه الجيش اليمني بكل قوته وعتاده فى ظل عدم وجود قوة مدربة مدعمة بعدد محدود من قيادات عسكرية، ومنهم الشهيد قائد المنطقة اللواء علي ناصر هادي، وقائد عمليات المنطقة الرابعة عمر عبيد، وقائد عمليات المقاومة.

معركة التواهي

وعن معركة مدينة التواهي ومقاومتها البطلة من شباب ورجال وشيوخ المدينة، يقول العولي، وبعد أن شاركوا مع إخوانهم بما يستطيعون لصد الحوثيين وصالح إبان غزوهم عدن تراجعوا للدفاع عن مدينتهم، وبفضل الله، ثم بتضحيات وصمود أولئك الأبطال، تم كسر ذلك الزحف البربري على عدن، وعلى أسوار مدينة التواهي في مدخلها الرئيسي بوابة (حجيف)، وتكفلت مقاومة القلوعة، وأبطالها في كسر ذلك الزحف وحماية مدينة التواهي من مدخلها الثاني، الذي يمر وسط منطقة القلوعة، ويؤدي إلى ساحل جولدمور، وكانت هذه أول هزيمة حقيقية لقوات الحوثيين وصالح في حربهم على عدن.

وكُبدت تلك القوات خسائر فادحة باعتراف القوات نفسها، ولم نكتفِ فقط بالدفاع، فقمنا بشن هجمات متكررة على مواقع تلك القوات الغازية، خاصة في الصوامع وشرطة المعلا، وإدارة الكهرباء بحجيف، وكان ذلك بتنسيق مع مقاومة القلوعة والمعلا، وفقدت التواهي خيرة رجالها وشبابها أثناء تلك المعركة. كانت نقاط التماس بيننا وبين العدو من حيث المسافة تكاد تكون معدومة، فقد كنا نسمعهم ويسمعوننا، وهذا أحد أسباب صعوبة تلك المعركة خاصة عندما تقاتل جيشا نظاميا مُدربا على مثل هكذا معارك، إضافة إلى فارق التسليح الكبير، وعدم امتلاكنا أسلحة، غير أسلحتنا الشخصية، وما تبقى لدينا من أسلحة متوسطة اغتنمناها خلال المعركة، ومع ذلك صمدت مدينة التواهي 45 يوما في وجه العدوان الغازي لعدن.. 

وأذكر هنا أحد أهم أسباب صمود التواهي، وهو دور قائد المنطقة الرابعة، الشهيد اللواء الشيخ علي ناصر هادي أثناء الحرب، فقد كان دوره كبيرا في صمود المدينة، وكان يبث الحماس والهمة في صفوف أبناء مقاومة التواهي، ويخوض معهم المعارك في خطوط النار الأولى رغم كبر سنه، وكان يقوم بنقل ما يستطيع من الذخائر والمستلزمات الطبية عن طريق البحر من المناطق الأخرى كون المدينة محاصرة، ولم يتبقَ لها غير طريق البحر فقط، وصمد وقاتل حتى اُستشهد في مدينة التواهي، وكان يقاتل بنفسه وماله وأهله، وقد جرح أربعة من أحفاده في تلك المعركة.

وكان من القيادات القليلة التي بقيت في عدن للدفاع عنها، ولا أنسى مدير الإمداد العسكري العميد علي الكود، الذي كان له دور كبير في دعم مقاومة التواهي، وباقي المديريات من اليوم الأول للحرب وإلى يوم انتصار عدن، حيث قام بتوفير الغذاء والدواء، وما استطاع من الذخائر، وبقي معنا حتى آخر يوم، واُستشهد في الحرب أحد أقربائه، وجُرح اثنان من إخوانه، وأيضا لا أنسى دور مؤسسة الموانئ ممثلة بمديرها محمد امزربة، حيث ساهمت معدات المؤسسة بنقل الجرحى وإسعافهم وإجلاء الأسر وإحضار مواد الإغاثة والمستلزمات الأخرى إلى مدينة التواهي، والمعلا، والقلوعة، وكريتر، وخور مكسر، وكل ذلك عن طريق البحر، بالإضافة إلى تقديم قسم ورشة الموانئ الكثير خلال الحرب، وبعض الضباط والأفراد في الشرطة البحرية، وخفر السواحل، والقاعدة البحرية، الذين بقوا بشكل فردي، وكان لهم دور في المعركة من خلال الزوارق البحرية المتبقية في تقديم المساعدات، ونقل الجرحى، ومشاركتهم في بعض المعارك من خلال ضرب مواقع الحوثيين بالأسلحة المتوسطة من البحر.

وكان على رأسهم الشهيد محمد الملقاط، وأتذكر منهم العميد سعيد سالم، قائد الورشة البحرية فى ذلك الوقت، ومازن الشحيري وآخرين من الأبطال لا أتذكر أسماءهم، إضافة إلى من تبقى من أطباء وممرضي مستشفى باصهيب العسكري، فقد كانوا أبرز المساندين لمقاومة التواهي داخل المدينة، وكذا مقاومة البريقة ومدينة الشعب، الذين كانوا يساندوننا في مواجهة قصف الحوثيين بصواريخ (الكاتيوشا)، واستمرار المقاومة في المعلا والقلوعة، وكل هذه العوامل مجتمعة مع استبسال واستماتة أبطال مقاومة التواهي في الدفاع عن مدينتهم، هي من أدت إلى صمودنا لأكثر من أربعين يوما في معركة غير متكافئة.

بعد حصول المقاتلين على دعم عسكري تمثل في عتاد جديد، وقوة جوية وتدفق المقاتلين الذين تم تدريبهم في السعودية، تمكّنوا من الاستيلاء على المطار الدولي في 14 يوليو/تموز، ليتحقق بذلك نصر عظيم وأول هزيمة لذراع إيران في الجزيرة العربية.