ملف كهرباء عدن.. دليل إدانة لعبث وابتزاز شرعية المنفى
الجنوب - Sunday 23 May 2021 الساعة 08:00 amيجسد ملف الكهرباء في العاصمة المؤقتة عدن مثالا صارخا لفشل الشرعية في إدارة المحافظات المحررة، ونموذجا حيا للعبث الذي تدار به مؤسسات الشرعية دون أن يخلو من استخدام الملف للابتزاز السياسي من قبل القوى المتحكمة بقرار الشرعية وعلى رأسها الإخوان.
قبل أيام حلت على أبناء عدن الذكرى السادسة لتحرير مدينتهم من مليشيات الحوثي الانقلابية، وسط أجواء كئيبة جراء ثقل الأزمات المعيشية التي يعانون منها، وعلى رأسها وأهمها أزمة الكهرباء التي تعد بالنسبة لسكان مدينة ساحلية تمتاز بصيف حار ورطوبة عالية، أمراً حيوياً ومؤثراً.
ست سنوات من الفشل المسجل ضد حكومات الشرعية، عجزت فيه عن الوفاء بوعودها المتكررة كل عام لأبناء عدن والمحافظات المجاورة بأنهم سينعمون بـ"صيف بارد"، ليأتي كل صيف بأسوأ مما سبق، ويبدو أن صيف هذا العام سيكون الأسخن، بعد أن سجلت خدمة الكهرباء تدهوراً كبيراً في باكورة هذا الصيف.
حيث ارتفعت ساعات الإطفاء مؤخراً في المتوسط إلى نحو 6 ساعات مقابل ساعتين تشغيل فقط، جراء بقاء حجم الكهرباء المولدة من المحطات الحكومية والخاصة عند حاجز 200 ميجا فقط مقابل ارتفاع الطلب على الكهرباء إلى نحو 450 ميجا، ويأتي هذا رغم وصول أول شحنة من الوقود منخفض التكلفة للمحطات والذي قدمته السعودية للحكومة، والتي كان يؤمل منها أن تحسن من خدمة الكهرباء، ما أثار استغراب أبناء المدينة من ذلك.
وبحسب مختصين تقف أسباب عديدة خلف استمرار أزمة الكهرباء في عدن طيلة السنوات الماضية، إلا أن جميعها تشير إلى العبث والفساد الذي أدارت به الشرعية هذا الملف منذ تحرير عدن منتصف 2015م، واتباع سياسة "الترقيع" بحلول عبثية وفاسدة أهدرت مليارات الريالات.
وتصاعدت أزمة الكهرباء في عدن خلال السنوات الماضية جراء تزايد أعداد السكان والتوسع في البناء العمراني في المدينة بعد أن أصبحت عاصمة مؤقتة للشرعية، كحال باقي المدن المحررة، التي جذبت مئات الآلاف من سكان مناطق سيطرة مليشيات الحوثي، وأظهرت إحصائية حديثة لوزارة التخطيط بحكومة الشرعية أن سكان المناطق المحررة باتوا أكبر من سكان مناطق سيطرة الحوثي.
تتلخص الكهرباء في عدن بجزءين، أولاً: أزمة توليد بسبب غياب محطات كهرباء استراتيجية تعمل بوقود منخفض التكلفة كالغاز، وما هو موجود محطات حكومية قديمة ومحدودة وتعمل بوقود مكلف كمحطة الحسوة التي تعمل بالمازوت.
والجزء الثاني، هو أزمة تصريف ونقل للطاقة بسبب تقادم وتهالك الشبكة الحالية في مدينة عدن ما رفع من نسبة الفاقد في التيار الكهربائي إلى نحو 40%، وهي نسبة كارثية غير مسبوقة في العالم، وما ضاعف من ذلك الربط العشوائي المستمر في المناطق التي تشهد توسعاً عمرانياً في عدن وهو ما يتسبب في جزء كبير من الأزمة الحالية.
وإزاء هذه الأزمات لجأت الشرعية منذ تحرير عدن إلى حلول ترقيعية وعبثية بدلاً من البدء بحل جذري يتمثل في إنشاء محطة استراتيجية بقوة لا تقل عن 500 ميجا، واستبدال منظومة النقل والتصريف القديمة التي تعمل بنظام 30 كيلو فولت بشبكة حديثة 130 كيلو فولت.
وبدأ ذلك بالخطوات التي قامت بها الحكومة السابقة برئاسة أحمد عبيد بن دغر ووزير الكهرباء السابق عبد الله محسن الأكوع أحد قيادات جماعة الإخوان، بالتعاقد مع شركات خاصة لشراء الطاقة بشكل مكلف وباهظ الثمن عبر مولدات تعمل بوقود الديزل الذي يعد الأعلى تكلفة، والقيام بمشاريع صيانة للمحطات الحكومية الحالية وعلى رأسها محطة الحسوة البخارية بتكلفة 30 مليون دولار وعبر شركة أوكرانية مطلع عام 2017م.
وفي الأسبوع الماضي كشفت وثائق رسمية تعود إلى تقرير مرفوع من الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة عن حقائق صادمة حول هذا المشروع، حيث قال بأن المبلغ المرصود للمشروع والذي تم العبث به أكبر من تكلفة إنشاء محطة كهرباء جديدة بقوة 50 ميجا وتعمل بذات الوقود (المازوت)، مؤكداً عدم جدوى المشروع بتأهيل محطة الحسوة لعدة عوامل منها قدم عمر المحطة وارتفاع تكاليف توليدها للكهرباء.
كما أشار التقرير إلى أن الميزانية المرصودة للمشروع كان يمكن إنجاز عدد من المشاريع وأكثر أهمية وعلى رأسها مشروع تأهيل منظومة التوزيع لخفض معدل الفاقد وبنسبة لا تقل عن 73%، وهو ما سيحقق وفرا في الطاقة المنتجة تصل تكلفة إنتاجها لمبلغ 60 مليون دولار سنويا، وكذا استغلال المبلغ في إعادة تشغيل المحطة القطرية البالغ قوتها 60 ميجا وتعمل بالغاز، وكذا مشاريع المحطات التي تعمل بالغاز بقوة 440 ميجا (في إشارة إلى محطة بترومسلية)، مؤكداً بأن ذلك سيوفر على الخزينة العامة مبلغا لا يقل عن 142 مليون دولار سنوياً كفارق سعر بين الديزل والغاز.
وسرد التقرير الذي يقع في 18 صفحة مجموعة هائلة من التجاوزات والعبث الذي رافق المشروع، والذي أكد فشل الشركة الأوكرانية في تحقيق الهدف منه وهو رفع كفاءة المحطة، رغم تسلمها المبالغ المرصودة كاملة ولم تكتف بذلك بل تم التسهيل لها لنهب كميات من قطع الغيار التابعة للمحطة بقيمة 378 مليون ريال.
الفشل الذريع للمشروع تمت التغطية عليه –على ما يبدو– بقيام الشرعية وبإشراف الرئيس هادي منتصف عام 2018م التوقيع على اتفاق مع شركة بترومسيلة لإنشاء محطة كهرباء عدن الجديدة بقدرة 264 ميجا وكهرباء حضرموت الساحل بقدرة 100 ميجا قابلتين للتوسعة، بالتوازي مع إنشاء شبكة تصريف حديثة لنقل الطاقة في عدن.
يومها أقر الرئيس هادي بأن الحلول الترقيعية عبر الطاقة المشتراة "كانت باهظة ومكلفة على موارد الدولة المحدودة وتتكرر معها المعاناة بصورة دائمة"، وأكد بأن ذلك "جعلنا نفكر بحلول استراتيجية لمصلحة اليمن كاملاً"، في إشارة إلى المحطة الجديدة التي تعمل بنظامي الغاز أو النفط الخام.
ورغم أن مدة تنفيذ المشروع كما أعلن حينها لن تتجاوز عاماً، إلا أنه أخذ نحو عامين ونصف تقريباً لإنجاز إنشاء محطة عدن بقوة 264 ميجا، أما محطة ساحل حضرموت فكان مصيرها النسيان والشهر الماضي وعد رئيس الوزراء الحالي معين عبدالملك خلال زيارته إلى المكلا بإحياء المشروع.
ومع أواخر العام الماضي كانت الأخبار تؤكد نجاح التشغيل التجريبي لمحطة عدن وباتت جاهزة للعمل، إلا أن ذلك لم يكن نهاية المعاناة لأبناء عدن، حيث لا يزال موضوع إدخالها للخدمة متوقفاً على إنجاز مشروع خطوط تصريف الطاقة 132 كيلو فولت، الذي بات شبه متوقف بذريعة عدم سداد الحكومة لتكاليف المشروع رغم تجاوز نسبة الإنجاز فيه الـ50%، بحسب مصادر مطلعة.
وما أثار الاستغراب هو القرارات التي اتخذها اجتماع للمجلس الأعلى للطاقة برئاسة رئيس الوزراء معين عبدالملك يوم الخميس الماضي، لمعالجة أوضاع الكهرباء في العاصمة المؤقتة عدن، ومن بين هذه المعالجات "تدارس عرض مقدم من وزارة الكهرباء للطاقة حول استئجار محطة كهرباء عائمة تعمل بوقود المازوت"، بدلاً من الحديث عن التسريع في مشروع خطوط تصريف الطاقة.
وبحسب مختصين فإن الحديث عن هذا المقترح يعد عبثاً مع وجود محطة بترومسيلة الجاهزة وتعثر إدخالها بسبب عدم قدرة خطوط النقل الحالية على تحمل الجهد المولد منها، ما يعني أن المشكلة حالياً لم تعد مشكلة توليد حتى يتم الحديث عن استئجار سفينة كهرباء عائمة، بل باتت مشكلة تصريف ونقل للطاقة.
وتكشف هذه الحقائق مدى العبث والفساد الذي تدير به الشرعية المناطق المحررة وأن المشكلة ليست في توفر الإمكانيات، ما يعزز من صحة الاتهامات الموجهة إلى الشرعية وجماعة الإخوان المتحكمة بالقرار باستخدام ملف الكهرباء كإحدى أدوات الابتزاز السياسي ضد خصومها على الأرض وعلى رأسهم المجلس الانتقالي الجنوبي المسيطر على عدن والمحافظات المجاورة بهدف تحريض الشارع ضده.