ترهيب الصحافيين.. تحالف "المجهولين" يستثمر الإرباك المنظم لأمن عدن
الجنوب - Sunday 07 June 2020 الساعة 09:50 pmلم يكن دم الصحافي نبيل القعيطي، المصور المعتمد لدى وكالة فرنس برس، قد جفَّ في مسرح جريمة اغتياله قرب منزله بمدينة عدن جنوبي اليمن، حين تلقى الصحفي الجنوبي صلاح العاقل، مراسل شبكة RT بنسختها العربية، تهديداً صريحاً بمصير مماثل.
فبعد يومين فقط، تلقى مراسل قناة RT الناطقة باللغة العربية، في اليمن، صلاح العاقل تهديداً مباشراً بالتصفية الجسدية من رقم مجهول الهوية.
وقال العاقل: "وصلتني تهديدات من أرقام مجهولة.. فبعد اغتيال الزميل والأخ نبيل أرسلت لي رسائل أنني سأكون التالي".
وإثر ذلك قالت مديرة شبكة RT مارغاريتا سيمونيان، إن روسيا تأخذ على محمل الجد التهديدات، مشيرة إلى أن وزارة الخارجية الروسية والسفير الروسي لدى اليمن ساعدوا في إجلاء الصحفي صلاح العاقل وعائلته.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ تلقى ثلاثة صحافيين جنوبيين آخرين، تهديدات مماثلة بالتصفية، شملت حسين حنشي، مدير مركز عدن للدراسات الاستراتيجية ورئيس تحرير صحيفة المرصد، وصالح أبو عوذل، وصالح العبيدي، وجميعهم مقربون من قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي.
وتعليقاً على الأمر، قال الصحافي حسين حنشي، على حسابه في موقع فيسبوك: "نعم نواجه تهديدات.. وأين الجديد؟! منذ عرفنا العمل الصحفي نواجه تهديدات، لكن هذا الوقت نحن أكثر قوة وأكثر قدرة على المواجهة في أرضنا".
وتابع: "القوات الجنوبية تواجه قذائف المدفعية في جبهات الضالع وأبين.. جنوداً وصحفيين وسياسيين ورجال أمن تستهدفهم واستهدفتهم المفخخات".
ولا يمكن بحال فصل تهديدات القتل ضد الصحفيين الأربعة، وقبل ذلك اغتيال مصور وكالة فرنس برس، عن نشاطهم الإعلامي، في تغطية المواجهات المسلحة بين القوات الجنوبية، وقوات حلف الرئيس المؤقت عبدربه منصور هادي وتنظيم الإخوان المسلمين، ببلدة شقرة الساحلية شرقي عدن.
ويعزز هذا بيان منظمة "مراسلون بلا حدود"، إذ أشار إلى "العديد من الانتقادات قد طالت نبيل القعيطي من مختلف التيارات الموالية لحكومة حزب الإصلاح (الفرع اليمني لجماعة الإخوان المسلمين)، حيث انهالت عليه الاتهامات بتلقي أموال من الإمارات العربية المتحدة، كما نُسبت إليه صُور ملتقطة لمنشورات تحوم العديد من الشكوك حول صحة أصلها، حيث أُقحم فيها بعض أفراد أسرته.
واشتهر القعيطي بشجاعته الصحافية، حيث غطى حرب تحرير عدن وحرب تحرير مأرب، كما شارك في تغطية حرب الساحل الغربي، قبل أن يرافق قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في جبهات أبين، الأمر الذي جعله على ما يبدو هدفاً للجماعات المتطرفة مع تزايد التحريض الإعلامي من قبل عناصر جماعة الإخوان المسلمين.
ورسم تقرير صدر مؤخراً عن نقابة الصحفيين اليمنيين صورة قاتمة لحالة مهنة الصحافة والصحفيين، في اليمن، منذ 2015م جراء ما يتعرضون له من قمع وانتهاكات جسيمة غير مسبوقة، على الإطلاق، لكن اغتيال القعيطي هي أول عملية قتل مخطط لها تستهدف العاملين في وسائل الإعلام منذ بدء الحرب الحالية، كما أن هذه الحادثة سيكون لها آثار سياسية وستزيد من شعور الجنوبيين تجاه مظالمهم الجماعية، كما رأت فاطمة أبو الأسرار، الزميلة غير المقيمة في معهد الشرق الأوسط ومقره في واشنطن.
وتعكس التهديدات بحق الصحفيين الجنوبيين، مدى الأثر الكبير الذي استطاع هؤلاء الصحافيون إحداثه وسط الرأي العام في الداخل والخارج؛ إضافة إلى تضرر جماعة الإخوان والجماعات الإرهابية المرتبطة بها من عملهم المهني فقررت إسكاتهم بالقتل تارة كما حدث مع الصحفي نبيل القعيطي، وبالترهيب تارة أخرى.
إرباك منظم لأمن عدن
ويبدو أن الجهة التي تقف وراء الترهيب الذي يتعرض له الصحفيون الجنوبيون، خصوصاً أولئك المقيمين في عدن، تستغل ما يمكن تسميته "حرباً صامتة" على القوات الأمنية في المدينة، لحشر الإعلاميين المناوئين في زاوية ضيقة، بحيث تصبح خياراتهم محصورة بين أمرين: الصمت عن فظائعها اليومية، أو القتل.
ولم تفلح الإدانات المتكرّرة التي أطلقتها جهات محلية ودولية بوضع حد للإيذاء المعنوي والمادّي الذي يطارد الصحفيين اليمنيين، إذ إن التهديدات التي وجهتها جهات تختبئ خلف ستار "الشرعية"، لعدد من الصحفيين الجنوبيين، في أعقاب اغتيال القعيطي، أعطت انطباعاً بأن تلك الأطراف مصممة على إلحاق أكبر قدر من الأذى بالصحفيين من ذوي التوجهات المخالفة.
ويأتي هذا التصعيد الحاد ضد الصحفيين الجنوبيين، في وقت تقع فيه التشكيلات الأمنية، في عدن، بمختلف مسمياتها، تحت ضغط إجراءات كارثية تهدف في المجمل إلى تقويض هذه الوحدات الأمنية وتفكيكها.
ومن شأن الإرباك الحاصل لقوات الأمن في عدن، أن يفاقم مخاوف الصحفيين من التصفيات الجسدية، كما أنه في ذات الوقت يساعد مطلقي التهديدات الذين يريدون قمع صوت المجلس الانتقالي، في تحويلها إلى أفعال انتقامية في الواقع.
وسبق وأن تحدثت تقارير عن توجه لفرض قوة محلية تلقت تدريبات في مدينة الطائف السعودية، لتحل بديلة عن قوات الحزام الأمني، بالتوازي مع توقف صرف المرتبات الشهرية لمنسوبي هذه القوة التي تشكلت بدعم من قوات التحالف العربي، عقب تحرير المدينة من سيطرة مليشيا الحوثي.