اتفاق غزة.. المرحلة الثانية بين رهانات الأمن والسيادة الفلسطينية
العالم - منذ ساعة و 57 دقيقة
القدس، نيوزيمن:
تتجه الأنظار نحو ما يُعرف بـ"المرحلة الثانية" من اتفاق غزة، وهي مرحلة توصف بأنها الأكثر حساسية وتعقيدًا منذ اندلاع الحرب، إذ تتقاطع فيها المصالح الدولية مع الهواجس الوطنية الفلسطينية، وسط خلافات حادة بشأن مستقبل إدارة القطاع بعد الحرب.
ففي الوقت الذي تطرح فيه واشنطن مشروع قرار داخل مجلس الأمن لإنشاء قوة أمنية دولية تتولى إدارة غزة خلال مرحلة انتقالية، تصرّ إسرائيل على استبعاد أي إدارة فلسطينية للقطاع، فيما ترفض السلطة الفلسطينية أي ترتيبات تمسّ سيادتها أو تنتقص من ولايتها القانونية.
التحركات الأميركية الأخيرة، وفق مصادر دبلوماسية، تستهدف تشكيل قوة متعددة الجنسيات تُفوض بتأمين القطاع ونزع سلاح الفصائل المسلحة، على أن تمتد ولايتها حتى نهاية عام 2027. ويُظهر مشروع القرار الأميركي، بحسب موقع أكسيوس، محاولة لإعادة ترتيب المشهد الأمني في غزة ضمن مقاربة تقوم على "الاستقرار المؤقت" عبر وجود قوة دولية محايدة تشرف على إنفاذ القانون وتأمين الحدود وحماية الممرات الإنسانية.
ويرى محللون أن هذه الخطة تمثل تحولًا استراتيجيًا في النهج الأميركي، إذ تجمع بين البعد الأمني والعسكري من جهة، والبعد الإنساني وإعادة الإعمار من جهة أخرى، لكنها تفتح في الوقت ذاته بابًا واسعًا للتساؤلات حول السيادة الفلسطينية ومستقبل الحكم في القطاع.
السلطة الفلسطينية بحسب مصادر نقلها موقع سكاي نيوز عربية أن القيادة الفلسطينية ترحب من حيث المبدأ بفكرة وجود قوات متعددة الجنسيات، بشرط أن تكون الشرطة الفلسطينية جزءًا من هذه القوة، وأن تدخل القطاع جنبًا إلى جنب معها، لضمان إشراف وطني مباشر على الأمن والنظام العام.
وأكد المصدر أن السلطة ترفض أي صيغة لتشكيل لجنة تكنوقراط أو إدارة غير سياسية، معتبرًا أن ذلك "يعمّق الانقسام ويقوّض فكرة الدولة الفلسطينية الموحدة". وتسعى السلطة، عبر المجموعة العربية في الأمم المتحدة، إلى تعديل نص القرار الأميركي بحيث يُعطيها دورًا جوهريًا في إدارة المرحلة الانتقالية، ويربط بين الضفة الغربية وقطاع غزة إداريًا وجغرافيًا.
في المقابل، جدد وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر موقف بلاده الرافض لأي إدارة فلسطينية لغزة قبل "نزع السلاح الكامل لحركة حماس"، مؤكدًا أن هذا الشرط هو "الركيزة الأساسية لأي تسوية سياسية أو أمنية مقبلة".
وتدفع واشنطن بهذا الاتجاه أيضًا، حيث تُصرّ الإدارة الأميركية على ضرورة "نزع السلاح" كشرط مسبق لإعادة الإعمار، وتعمل على إقناع شركائها العرب بتولي أدوار محددة ضمن القوة الأمنية الدولية المزمع إنشاؤها.
المتحدث باسم حركة فتح منذر الحايك حذر من أن الصيغة الحالية للمقترح الأميركي "تحمل مخاطر سياسية كبيرة"، مؤكدًا أن نشر قوة دولية بديلاً عن السلطة الفلسطينية يمثل "وصفة جاهزة لتكريس الانفصال بين الضفة وغزة". وقال الحايك إن "أي وجود دولي يجب أن يكون لحماية الفلسطينيين من اعتداءات الاحتلال، لا بديلاً عن السيادة الفلسطينية"، مضيفًا أن حركة فتح ترفض تمامًا أي وصاية أو إدارة بديلة.
وأشار إلى أن القيادة الفلسطينية أجرت اتصالات مع الدول العربية لتعديل الصيغة المقترحة، بما يضمن "عودة الشرعية الفلسطينية إلى غزة تحت مظلة السلطة الوطنية ومنظمة التحرير"، مؤكداً أن "الوصاية الوحيدة المقبولة هي وصاية الشعب الفلسطيني على نفسه".
السلطة الفلسطينية أعدّت، بحسب الحايك، خطة تعافٍ شاملة تشمل مراحل الإغاثة والإعمار وإعادة بناء البنية التحتية تمهيدًا لإجراء انتخابات عامة بعد عام من توقف الحرب، مؤكدًا أن القوات الفلسطينية "جاهزة للانتشار في غزة بعد تلقيها تدريبات في مصر والأردن".
ويرى مراقبون أن نجاح المرحلة الثانية من اتفاق غزة يعتمد على مدى التوافق بين الأطراف الدولية والإقليمية والفلسطينية حول هوية الإدارة المدنية والأمنية للقطاع، وسط خشية من أن تتحول القوة الدولية إلى بديل دائم يكرس واقع الانقسام، بدل أن يكون جسرًا نحو الوحدة الفلسطينية.
المرحلة الثانية من اتفاق غزة تبدو، وفق تقديرات مراكز الأبحاث الدولية، اختبارًا لمعادلة دقيقة تجمع بين نزع السلاح دون نزع السيادة، والإعمار دون الإقصاء، والاستقرار دون الوصاية. وبينما تُصرّ واشنطن وتل أبيب على فرض "أمن بلا حماس"، يتمسك الفلسطينيون بشعار "سيادة بلا وصاية"، في معركة سياسية قد تحدد ملامح الشرق الأوسط في السنوات المقبلة.
>
