مأساة باص العرقوب.. النيران تلتهم أحلام العائدين من الغربة والحكومة توجه بالتحقيق
السياسية - منذ ساعتان و 4 دقائق
أبين، نيوزيمن، خاص:
في مشهد مأساوي هزّ اليمنيين فجر اليوم الأربعاء، تحولت رحلة عودة إلى الوطن إلى فاجعة أليمة، بعدما التهمت النيران حافلة نقل جماعي تابعة لشركة صقر الحجاز كانت تقل 42 راكبًا قادمين من المملكة العربية السعودية، إثر اصطدامها بسيارة من نوع فوكسي في طريق العرقوب الجبلي بمحافظة أبين.
اشتعلت المركبتان بالكامل عقب الاصطدام، لتتحول لحظات الفرح بلمّ الشمل إلى صرخات استغاثة ودخان كثيف غطّى سماء المنطقة. وأفادت مصادر محلية بأن ثلاثة أشخاص على متن سيارة الفوكسي لقوا حتفهم على الفور، فيما توفي معظم ركاب الحافلة وسائقها ومساعده، ونجا خمسة فقط بعد أن كسروا النوافذ وقفزوا منها وسط ألسنة اللهب، في محاولة يائسة للهروب من الموت.
وروى أحد الناجين الذي تم إسعافهم إلى مستشفى شقرة الحكومي أن "الحريق بدأ من مقدمة الباص، ثم تمدد بسرعة هائلة حتى حاصر الركاب في الداخل"، مؤكدًا أن الباب الرئيسي كان مغلقًا بسبب النيران، ما جعل العشرات عاجزين عن الهروب في واحدة من أكثر الحوادث قسوة في تاريخ الطرق اليمنية.
وبحسب المصادر الأمنية، فإن الحادث نجم عن تلف في مكابح الحافلة أثناء نزولها أحد المنعطفات الجبلية الحادة في طريق العرقوب، ما أدى إلى فقدان السيطرة عليها واصطدامها بالمركبة الصغيرة، قبل أن تنقلب وتشتعل بالكامل. وأضافت المصادر أن فرق الإنقاذ واجهت صعوبات كبيرة في الوصول إلى موقع الحادث نتيجة وعورة الطريق وشدة النيران التي غطت المكان.
ونُقلت جثامين الضحايا والمصابين إلى مستشفى شقرة الريفي، فيما أُحيلت الحالات الحرجة إلى مستشفيات جعار وعدن. وشوهدت سيارات الإسعاف وهي تتنقل على الطريق الجبلي الوعر لساعات طويلة، وسط مشاهد حزينة لأهالي الضحايا الذين توافدوا لمعرفة مصير أقاربهم.
وقال شهود عيان إن النيران التهمت الحافلة بالكامل خلال دقائق معدودة، وإن صرخات الركاب كانت تُسمع من مسافة بعيدة، مؤكدين أن الحادث كشف حجم المخاطر التي يواجهها المسافرون على الطرق الجبلية غير المهيأة والتي تفتقر إلى وسائل السلامة.
لجنة تحقيق
أمام هول الكارثة، وجّه رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي الحكومة والسلطات المحلية بسرعة تقديم الرعاية الكاملة للمصابين ومساعدة أسر الضحايا، وتسهيل نقل الحالات الحرجة لتلقي العلاج في المستشفيات المتخصصة.
كما شدد العليمي على ضرورة إجراء الصيانة الدورية للطرق العامة وتعزيز معايير السلامة المرورية، للحد من تكرار مثل هذه الحوادث المأساوية التي تحصد أرواح الأبرياء في الطرق الجبلية الوعرة. واستمع خلال اتصالين هاتفيين بمحافظ أبين اللواء الركن أبوبكر حسين ووزير الصحة الدكتور قاسم بحيبح إلى تقارير حول عمليات الإنقاذ والإسعاف وإجراءات التعامل مع آثار الحادث.
من جانبه، وجّه وزير النقل الدكتور عبدالسلام صالح حميد بتشكيل لجنة تحقيق عاجلة من الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري، للوقوف على ملابسات الحادث، والرفع بتقرير مفصل حول أسبابه والمسؤوليات المترتبة عليه، مؤكدًا ضرورة فرض رقابة صارمة على شركات النقل لضمان صيانة مركباتها والتزامها بإجراءات السلامة.
أوجاع تتجدد
حادث العرقوب أعاد إلى الأذهان سلسلة من الحوادث المميتة التي تشهدها طرق اليمن الجبلية بين الحين والآخر، وسط مطالبات شعبية متكررة بتحديث البنية التحتية وتحسين منظومة النقل البري.
ويرى مراقبون أن مأساة أبين الأخيرة ليست مجرد حادث سير عابر، بل ناقوس خطر جديد ينذر بضرورة إعادة النظر في واقع الطرق المتهالكة وغياب الرقابة على شركات النقل التي لا تزال تشغّل حافلات متهالكة ومكابح متهتكة تقل أرواح الأبرياء.
فيما تداول ناشطون على مواقع التواصل تسجيلًا مصور للركاب المسافرين وهم في الحافلة قبل وقوع الحادثة، فيما آخرون نشرو صورًا للحافلة المحترقة، وعبارات مؤلمة لأسر الضحايا الذين كانوا ينتظرون أبناءهم بفارغ الصبر بعد رحلة غربة طويلة، ليصلهم خبر رحيلهم في لحظات مأساوية.
وقال الناشط محضار المعلم على صفحته تعليقًا على الحادثة بالقول: "آخر فيديو لهؤلاء جنود الغربة الذين هاجروا للبحث عن مصدر عيشهم لأسرهم في الداخل اليمني، فبعد سنوات طويلة لتحويشة العمر، فكروا أن يعودوا لقضاء إجازة عند أسرهم، وكانت أحلامه لقاء ذويهم من الآباء والأمهات والزوجات والإخوة والأطفال."
وأضاف: "لم تبقَ الا الرسائل في الواتس في هواتف ذويهم تخبرهم لم يتبقى سوى ساعات قليلة ونصل العاصمة عدن، لكن الأقدار على هذا البلد المثخن بجراحه الغائرة والكثيرة تعددت الأسباب والموت واحد، لا خطوط سليمة ولا مركبات آمنة وجديدة وسائقين مستهترين بأرواح الناس".
وقال: "قبل الأحضان التي تنتظرهم قابلتهم أحضان النيران ونيران الغربة والبعد والفترات الطويلة عن الأهل وسجل الذكريات يعصف بأحلامهم ويقضي عليها وتنتهي تلك الأحلام في العرقوب".
>
