سكة حديد في الحديدة.. مشروع وهمي جديد لابتلاع أموال الموظفين المنهوبة

السياسية - منذ 6 ساعات و 44 دقيقة
الحديدة، نيوزيمن، خاص:

يعيش ملايين اليمنيين تحت وطأة الفقر وانقطاع المرتبات منذ سنوات، في وقت تواصل فيه ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران الترويج لما تصفه بـ "المشروعات التنموية العملاقة" التي تزعم أنها ستحدث نقلة نوعية في الاقتصاد الوطني. 

هذه المشاريع، التي لا تتجاوز حدود التصريحات الإعلامية، باتت تُشكّل وسيلة ممنهجة لنهب الأموال واستنزاف ما تبقى من موارد الدولة، في ظل واقع معيشي مأساوي يرزح تحته الموظفون الذين حُرموا من أبسط حقوقهم.

أحدث هذه المشاريع المزعومة هو ما أعلنته الميليشيا عن "مشروع إنشاء سكة حديدية في محافظة الحديدة"، وهو الإعلان الذي أثار موجة واسعة من السخرية والتساؤلات في الشارع اليمني حول جدية المليشيات التي لم تستطع تأمين المرتبات، فكيف بمشروعات بنية تحتية بمئات الملايين من الدولارات؟

بحسب وسائل إعلام حوثية، ناقش رئيس الهيئة العامة للاستثمار المعيّن من الجماعة، محمد إسحاق، ووكيل وزارة النقل لقطاع الطرق نبيل الحيفي، ما وصفوه بـ "الدراسة الأولية لمشروع إنشاء سكة حديد في الحديدة"، بطول 99 كيلومتراً يمتد من ميناء رأس عيسى مروراً بـ ميناء الصليف وصولاً إلى مديرية باجل، بتكلفة تقديرية تبلغ نحو 150 مليون دولار.

وروجت القيادات الحوثية بأن المشروع "استراتيجي" وسيُحدث "نقلة نوعية" في البنية التحتية للنقل، وسيسهم في "تحفيز الاستثمار وتوفير فرص العمل"، في محاولة لتجميل صورتها أمام المواطنين، خصوصاً في ظل تصاعد الغضب الشعبي من سياسات النهب والجبايات التي أنهكت الناس.

إلا أن مراقبين وصفوا المشروع بأنه جزء من سلسلة "الوعود الوهمية" التي تطرحها المليشيات في أوقات الأزمات لتضليل الرأي العام وصرف الأنظار عن قضايا جوهرية كنهب المرتبات واستمرار الفساد المالي والإداري في مؤسسات الدولة الواقعة تحت سيطرتها. 

وأضافوا: "سكة الحديد الحوثية" مجرد سكة وهمية جديدة تضاف إلى قائمة طويلة من مشاريع لم تُنفذ ولن تُنفذ، فيما يستمر المواطن اليمني في دفع الثمن من قوت يومه وكرامته ومرتبه المنهوب، بينما تواصل المليشيا بناء "إمبراطوريتها المالية" على أنقاض معاناة الناس.

ومنذ سيطرتها على صنعاء وعدد من المحافظات، تتبنى ميليشيا الحوثي سياسة "الإنجاز الإعلامي"، عبر الإعلان المتكرر عن مشاريع خيالية في مجالات البنية التحتية، والطاقة، والنقل، والاتصالات، دون أن ترى أي من هذه المشاريع النور.

ويؤكد اقتصاديون أن تلك المشاريع لا تتعدى كونها أدوات سياسية وإعلامية لشرعنة عمليات النهب المستمرة، وتبرير مصادرة الأموال العامة، وفرض مزيد من الجبايات تحت ذريعة "تمويل التنمية". في المقابل، يعيش مئات الآلاف من الموظفين بلا مرتبات منذ العام 2016، فيما تُنفق المليشيا أموالهم في تمويل حروبها وتوسيع شبكاتها الاقتصادية الخاصة.

وتزامن إعلان "سكة الحديد الحوثية" مع اتساع رقعة الفقر وانهيار الخدمات الأساسية في مناطق سيطرة الجماعة، ما جعل الشارع اليمني يرى في هذه المشروعات مجرد غطاء لفساد ممنهج. وتسعى القيادات الحوثية من خلال هذه الخطابات إلى إعادة تدوير الخطاب الدعائي وتقديم أنفسهم كـ "سلطة إنجاز"، في حين أن الواقع يكشف عن أفشل إدارة اقتصادية في تاريخ اليمن، إذ لا كهرباء ولا ماء ولا رواتب، بينما تتضخم ثروات القيادات الحوثية في الداخل والخارج.

من جانبه النائب البرلماني عبده بشر سخر من إعلان القيادات الحوثية عن مشروع إنشاء سكة حديدية في محافظة الحديدة، واصفًا الأمر بأنه "بيع للوهم وترويج للعبث في بلد يموت فيه الناس من الجوع".

تصريح بشر الذي جاء عبر منصة "إكس" لم يكن مجرد تعليق ساخر بقدر ما حمل انتقادًا لاذعًا للنهج الحوثي القائم على التضليل الإعلامي والإنجازات الوهمية، حيث تساءل بتهكم عن جدوى الحديث عن مشروع بتكلفة 150 مليون دولار بينما الملايين يعانون من الجوع والفقر وانقطاع المرتبات.

حديث بشر يعكس حالة تململ داخل الأوساط السياسية في صنعاء، حتى بين من كانوا يوماً جزءاً من مؤسساتها الشكلية، إزاء ما وصفوه بتغوّل الفساد واستمرار الإنفاق على مشاريع دعائية في الوقت الذي تتهاوى فيه الخدمات العامة، وتتفاقم أزمة الجوع والبطالة.

وذهب بشر في تغريدته إلى أبعد من السخرية حين دعا إلى وقف ""صرفيات" المسؤولين الحوثيين وتحسين الخدمات الأساسية مثل الموانئ والطرقات، والعمل على معالجة مشكلات المستثمرين وهروب رؤوس الأموال، مؤكداً أن الأولوية ليست لمشاريع الحديد والصلب بل لـ "لقمة العيش" التي يبحث عنها المواطن اليمني كل يوم بلا جدوى.

ويؤكد خبراء اقتصاديون أن المشروعات الحوثية المزعومة ليست سوى وسيلة لاستنزاف ما تبقى من المال العام، وخلق واجهات مالية وشركات وهمية تابعة لقيادات الجماعة تعمل تحت غطاء "الاستثمار"، بينما تُستخدم الأموال لتمويل المجهود الحربي وتوسيع النفوذ الاقتصادي. موضحين أن استمرار هذه السياسات يعني إغراق المجتمع في دائرة فقر ممنهج، وتحويل موارد الدولة إلى أدوات تمويل لمشروع طائفي يكرس الانقسام ويمزق النسيج الوطني.