في يومهم العالمي.. معلمو اليمن وجع لا ينتهي

السياسية - منذ 3 ساعات و 18 دقيقة
صنعاء، نيوزيمن، خاص:

يصادف الخامس من أكتوبر من كل عام اليوم العالمي للمعلم، وهو مناسبة تُخصص عالميًا للاحتفاء برموز التربية والتعليم وتقدير تضحياتهم. غير أن هذا اليوم في اليمن يمر وسط أجواء مختلفة تمامًا، حيث يعيش عشرات الآلاف من المعلمين، خصوصًا في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي، أوضاعًا مأساوية جرّاء حرمانهم من المرتبات منذ أكثر من تسع سنوات، فضلًا عن تعرضهم للاعتقالات التعسفية والمضايقات والتسريح القسري، وحتى إجبارهم على النزوح القسري، في وقت حوّلت فيه الجماعة المدارس إلى ثكنات عسكرية ومراكز لتجنيد الأطفال ونشر الأفكار الطائفية.

معلمون كُثر تحدثوا عن واقعهم المأساوي، أحد التربويين في صنعاء أكد أن "المعلم بات شغله الشاغل البحث عن لقمة العيش لأسرته بعيدًا عن الصفوف الدراسية، واضطر الكثير منهم للعمل في مهن مختلفة لتأمين احتياجاتهم اليومية بسبب انقطاع المرتبات".  

رحلة البحث عن المرتبات رافقها انتهاكات اخرى، تقارير حقوقية كشفت عن أكثر من ألف معلم جرى اعتقالهم وإخفائهم قسريًا داخل سجون ميليشيا الحوثي الإيرانية خلال سنوات الحرب، في حين سرّحت الميليشيات عشرات الآلاف واستبدلتهم بعناصر موالية لها، وهو ما عمّق أزمة التعليم في البلاد.

وجع لا ينتهي

المعلم اليمني يدخل يومه العالمي وهو مثقل بالانتهاكات الجسيمة التي تطال حقوقه الأساسية، الأمر الذي حوّل هذه الذكرى إلى يوم حزن بدلًا من يوم احتفاء. فالمعلمون يواجهون أزمة إنسانية مركبة، تبدأ من حرمانهم من حقوقهم المالية والمدنية والسياسية، وصولًا إلى تعرضهم للعنف والاعتقال والتهجير. وبحسب "مركز صنعاء للدراسات"، فإن أكثر من 170 ألف معلم في مناطق سيطرة الحوثيين لم يتلقوا رواتبهم منذ بدايات الحرب، فيما تُصرف رواتب قلة منهم بشكل متقطع كل ثلاثة أشهر فقط.

هذا الواقع دفع كثيرين إلى ترك المهنة أو البحث عن أعمال بديلة، مثل قيادة سيارات الأجرة أو العمل في مهن حرة. وبذلك تحولت قضية المعلم إلى صورة من صور الانهيار المجتمعي الذي أصاب قطاع التعليم، حيث تشير الإحصائيات إلى أن نحو 4.5 مليون طفل باتوا خارج التعليم، أي ضعف الرقم المسجل مع بداية النزاع.

وأكدت مؤسسة ألف لدعم وحماية التعليم، في بيانها بهذه المناسبة، أن المعلمين في اليمن واجهوا تحديات غير مسبوقة خلال العقد الأخير، نتيجة النزاع المسلح وانعدام الأمن، ما أدى إلى تدهور أوضاعهم المعيشية وانعكس سلبًا على الطلاب والعملية التعليمية.

وأشار البيان إلى أن أكثر من 170 ألف معلم ومعلمة حُرموا من رواتبهم منذ 2016، فيما لا يتجاوز راتب المعلم في المناطق المحررة 100 دولار أمريكي. كما وثّق مقتل أكثر من 1500 تربوي، واعتقال نحو 20 ألفًا، بينهم 150 حالة إخفاء قسري و15 وفاة تحت التعذيب، فضلًا عن تدمير مئات المدارس.

وطالبت المؤسسة بسرعة صرف المرتبات، وإطلاق سراح جميع المختطفين من التربويين، وإعادة تأهيل المدارس المتضررة، مؤكدة أن "إنصاف المعلم هو الخطوة الأولى لإنقاذ التعليم في اليمن".

تصريحات متناقضة: بين التباهي والتجاهل

في الوقت الذي يعيش فيه المعلم اليمني واحدة من أقسى المراحل في تاريخه المهني والإنساني، خرج القيادي الحوثي حسن الصعدي، المعيّن وزيرًا للتربية والتعليم في حكومة الحوثيين غير المعترف بها، ببيان تهنئة للمعلمين في يومهم العالمي. تحدث الصعدي مطوّلًا عن "عطاءات المعلمين في الميدان التربوي" ورسمهم "لوحات البذل والعمل الدؤوب في سبيل العلم والتنوير"، كما أشاد بما وصفه "ثبات المعلمين وصمودهم" في مواجهة التحديات. غير أن هذه اللغة الاحتفالية المليئة بالخطابات الإنشائية بدت أبعد ما تكون عن الواقع، إذ تجاهل القيادي الحوثي بشكل متعمد ذكر المأساة الجوهرية المتمثلة في انقطاع رواتب عشرات الآلاف من المعلمين منذ سنوات طويلة، والظروف المعيشية القاسية التي دفعتهم إلى ممارسة أعمال شاقة وهامشية لتأمين لقمة العيش، فضلًا عن المضايقات الأمنية والانتهاكات اليومية التي حوّلت حياة كثير منهم إلى جحيم.

ويرى مراقبون أن مثل هذه التصريحات تعكس ازدواجية صارخة في الخطاب الحوثي، الذي يكتفي برفع شعارات تمجيد المعلم في العلن والتغني بصموده، بينما يمارس على الأرض أبشع أشكال الانتهاك بحقه من حرمان وتشريد واعتقال. وهو ما يعكس محاولة للهروب من مواجهة المسؤولية المباشرة عن الانهيار المريع لقطاع التعليم في مناطق سيطرة الجماعة.

في المقابل، جاء تعليق النائب في برلمان صنعاء عبده بشر كصوت مختلف يفضح هذا التناقض، حيث وجّه تساؤلًا عبر تغريدة في منصة "إكس" عن معنى الاحتفال بيوم المعلم في اليمن وسط هذه الأوضاع الكارثية. وقال بشر: "يوم المعلم العالمي.. ماذا قُدم للمعلم اليمني من قبل السلطات اليمنية والأمم المتحدة ومبعوثيها؟" قبل أن يضيف بسخرية مُرّة: "هل نحتفل بالجرائم المرتكبة بحق التعليم والمعلم؟ خصوصًا في ظل استمرار اللامبالاة بمعاناة المعلم وانقطاع المرتبات لأكثر من 10 سنوات، والاستهداف الممنهج للعلم والمعلم؟"

تحمل كلمات بشر بعدًا إنسانيًا وسياسيًا عميقًا، فهي تكشف زيف الخطابات الرسمية وتضع السلطات القائمة والمجتمع الدولي أمام مرآة المسؤولية الأخلاقية والإنسانية. وفي حين يكتفي الحوثيون بالاحتفاء الشكلي والتفاخر بالمعلم، تبرز تساؤلات بشر لتؤكد أن الاحتفال في اليمن لا يتجاوز حدود الكلمات البروتوكولية، بينما المأساة الحقيقية تزداد اتساعًا وتترك أثرًا مدمرًا على حاضر ومستقبل التعليم في البلاد.

التكريم برد الحقوق

يتضح أن عيد المعلم في اليمن تحوّل إلى مرآة تعكس عمق أزمة التعليم وتدهور وضع المعلم، حيث اجتمع الفقر وانقطاع المرتبات والملاحقات الأمنية مع خطاب سلطوي متناقض يرفع الشعارات ويهمل الحقوق. وبينما يتساءل المعلمون عن أبسط حقوقهم، يواصل الحوثيون تحويل المدارس إلى أدوات حرب وإقصاء المعلمين واستبدالهم بعناصر طائفية. وفي ظل غياب حل سياسي شامل، يبقى المعلم اليمني ضحية الحرب الأطول في المنطقة، فيما يقف المجتمع الدولي عاجزًا عن إنصافه.

ويرى الكاتب الصحفي مؤمن الحاج أن المعلم اليمني يقف اليوم في طابور طويل من المعاناة بعد أن تحوّل من حاملٍ لرسالة التعليم إلى ضحيةٍ لواقعٍ مرير، إذ لم يتلقَّ عشرات الآلاف من المعلمين رواتبهم منذ سنوات، وبعضهم يعيش بلا دخل ثابت منذ أكثر من سبع سنوات متواصلة، في واحدة من أقسى الأزمات الإنسانية التي عرفها التعليم عالميًا. 

يصف الحاج المشهد بقوله: "في المدارس الحكومية تجد معلمين يدرسون من دون أجر، يقطعون المسافات الطويلة سيرًا على الأقدام أو على دراجات متهالكة، فقط ليقفوا أمام سبورة باهتة وطلاب يحدقون في وجوههم بحثًا عن أمل، فيما لا يجدون هم ما يسدّ رمق أسرهم". هذه الظروف القاسية أجبرت كثيرًا من المعلمين على ترك المهنة بحثًا عن أعمالٍ بديلة؛ فبينما صار بعضهم بائعًا متجولًا، اتجه آخرون إلى الزراعة أو النقل أو حتى التسوّل، وهو ما يشكّل مشهدًا صادمًا لكرامة المهنة ورسالتها. 

ويشير الحاج إلى أن هذا النزيف البشري انعكس بشكل خطير على التعليم، فأُغلقت آلاف المدارس في المناطق النائية، وارتفعت معدلات التسرب، خصوصًا بين الفتيات، ما ينذر بجيل مهدد بالجهل والانكسار. ويضيف: "إن الأرقام التي تتحدث عن أكثر من مليوني طفل خارج المدارس، وعن معلمين بلا رواتب أو برواتب هزيلة لا تكفي ليوم واحد، ليست مجرد إحصاءات جامدة، بل هي شهادة على جريمة صامتة بحق اليمن ومستقبله". ويخلص إلى أن "الاحتفال الحقيقي باليوم العالمي للمعلم لا يكون بالخطابات ولا بالورود، بل برد الحقوق وإنصاف المعلم، لأن لا مستقبل لليمن دون تعليم، ولا تعليم دون معلم كريم مكرّم".