تحريض خارجي على المغرب.. منابر إخوانية تتصدرها توكل كرمان
السياسية - منذ ساعتان و 5 دقائق
تتجه موجة الاحتجاجات الشبابية التي تشهدها مدن مغربية عدة هذه الأيام نحو تحولٍ اجتماعي عميق؛ شباب يطالبون بالحقوق الأساسية في الصحة والتعليم والكرامة، لكن في المقابل ثمة أصوات خارجية—من بينها قيادات محسوبة على جماعة الإخوان المسلمين—تغذي خطابَ الاستقطاب وتروّج لفكرة "ربيع عربي" تُعيد إنتاج الفوضى بدلاً من دعم مطالب المواطن.
أحدث هذه الأصوات كانت تصريحات أطلقتها الناشطة اليمنية الإخوانية الحائزة على جائزة نوبل توكل كرمان، والتي وصفت مشاهد العنف والتخريب في بعض المدن بـ"مجد للشعب المغربي الثائر"، ما أثار ردود فعل غاضبة داخليًا وخارجياً وأعاد فتح سجالات حول دور الفاعلين الخارجيين في تغذية مناخات الاحتقان.
تصريحات الإخوانية توكل ونشطاء إخوانيين في عدة دول عربية، يؤكد أن ثمة مخططًا لفظيًا وسياسيًا يستغل مطالب حقوقية حقيقية لتمرير أهدافٍ استراتيجية؛ هدفه إضعاف المؤسسات، وإحداث فراغ أمني يسمح لما هو تنظيمي فوضوي بأن ينمو على حساب المصلحة الوطنية.
شعارات فوضوية ومحاولة رخيصة
تصريحات قيادات وإعلاميات محسوبات على تيارات إسلامية أو إخوانية، وغالبًا ما تُروّج عبر منصات التواصل، تُغلف التحريض بشعارات الثورة والتغيير والانتصار للشعوب. لكن الاختلاف الجوهري أن الحراك الشبابي المغربي الحالي في غالبيته ينطلق من مطالب اجتماعية محضة—الولوج إلى الصحة والتعليم والكرامة—وفقًا لاختصاصيين وفاعلين حقوقيين، الذين يشيرون إلى أن هذه الاحتجاجات شكل من أشكال الحياة المدنية التي تدل على وعيٍ سياسي واجتماعي متنامٍ. ومن جهة أخرى، تأتي الدعوات الخارجية التي تُمجّد «التخريب» وتُحوّل أحداثًا محلية محدودة إلى «ربيعٍ جديد» بمثابة محاولة لركوب الموجة وتحويل أهدافها عن مسارها السلمي إلى مناخات عدائية تُبرر التدخلات والتشويش.
وفي هذا الإطار، قال عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة "أفريكا ووتش" المتخصصة في قضايا حقوق الإنسان، إن الاحتجاجات السلمية للمطالبة بالولوج الآمن إلى الصحة وتعليم ذي جودة تمثّل مظهرًا بارزًا من مظاهر الحياة المدنية بالمغرب، وأن الغالبية العظمى من التحركات كانت سلمية، مع أسف على بعض صور العنف التي رافقتها والتي تهدد السلم العام. لكن الكاين أضاف تحذيراً من "اختلاط السلمية مع الطموح التخريبي" الذي قد يستثمره فاعلون خارجيون وداخليون لإحداث فتنة وتقويض العيش المشترك.
هذه القراءة الحقوقية تؤكد أن التصعيد الخطابي الخارجي لا يخدم الحقوق ولا يخفف من معاناة المواطنين، بل يعقّد الحلول ويضعف فرص الحوار.
وعلّق الكاتب الصحفي عبده حقي على ما سمّاه «مغامرات توكل كرمان» في الشأن المغربي، واعتبر أن تصوير مشاهد الحرق والتخريب باعتبارها «مجدًا للشعب» أثار صدمة عارمة في أوساط الرأي العام المغربي. وفي مقالة له وصف هذا الخطاب بأنه ليس مجدًا بل تهديد للاستقرار واعتداء على ممتلكات عامة وخاصة ينعكس ثمنه على المواطن البسيط: تاجر يخسر متجره، موظف تُحرق سيارته، أم ترتعد على ابنها. وأضاف أن التحريض من وراء الشاشات لن يكلف دافعيه شيئًا لكنه سيترك آثارًا كارثية على النسيج الاجتماعي والاقتصادي للدولة التي في حاجة ماسة إلى مشاريع تنموية واستقرار وليس إلى «بطولات إعلامية زائفة». وفق حقي، تحويل احتجاجات شعبية محدودة إلى «ثورة كبرى» هو محاولة رخيصة لركوب الأحداث والاستفادة الإعلامية والسياسية على حساب معاناة الناس.
تحريض على الكراهية ورفض يمني
خرج مفكرون وفاعلون إعلاميون بمطالبات صريحة تُدين تصرفات كرمان، منها دعوة سعيد ناشيد إلى سحب جائزة نوبل للسلام منها، مبررًا أن رمزية الجائزة يجب أن تُوظَّف لتعزيز السلام وختان الكراهية، وأن سلوكيات كرمان—بحسبه—لا تُمثل أي انحياز لرسالة والسلام بل لخطاب يفاقم العنف والفرقة.
وأوضح ناشيد أن تدوينات كرمان وغالبية التغريدات التي تصف الحراك بالمجد أو الثورة لا تستند إلى محاولات تقريب وجهات النظر أو الحوار، بل إلى تأجيج المشاعر ونشر الأخبار الكاذبة وتحريض الكراهية، وهو ما يتناقض، في نظره، مع المعايير الأساسية لجائزة نوبل للسلام. هذه المطالبات تُعكس استياءً واسعًا من استخدام رمزية دولية لأهداف ذات طابع تقسيمي ومحرض.
لم تغب الأصوات اليمنية الرافضة عن الساحة؛ فقد شنّ الإعلامي والناشط عبدالسلام القيسي هجومًا لاذعًا على التدخلات الأجنبية لتوكل كرمان، معتبرًا أن سلوكها يُنافي معاني السلام وأن خطابها حول "الربيع العربي الجديد" هو خطاب هدام لا يقدّم حلولًا لمشكلات اليمن نفسها.
قال القيسي إن توكل، بدلاً من أن تبادر بمشروعات تعليمية أو تنموية في مسقط رأسها أو في اليمن، تتفرّغ لإشعال الحرائق الإعلامية من الخارج، وهو ما يحوّل قيمة الجائزة الدولية إلى ذرائع للتأجيج. هذا الموقف اليمني يُبرز أن الانتقادات لكرمان ليست حصرًا مغربية أو إقليمية، بل تمتد إلى مواطنين وحقوقيين في بلدها الذين يطالبون بمحاسبة الخطاب الذي يولد الفوضى بدل بناء السلام.
فضح المخططات ودعوة للحوار
الوقائع على الأرض تُبيّن أن ثمن هذا الخطاب يتحمله المواطن البسيط قبل غيره: تدهورٌ اقتصادي من جراء التخريب، فرص استثمار مهدرة، تراجع صورة البلد دوليًا، وتهديد لمكتسباتٍ مدنية ناضج الشباب للمطالبة بها. كما أن تحويل المطالب الاجتماعية إلى صدامات مفتعلة يبرر قمعًا ويدفع البلاد نحو حل أمني قصير الأمد بدل حلول سياسية واجتماعية مستدامة. لذلك، يرى مراقبون أن التصدي لهذه الحملات الإعلامية والسياسية يجب أن يكون مزدوجًا: أولًا حماية الفضاء المدني والسماح بالمطالب المشروعة بالظهور دون ركوبها، وثانيًا كشف الروابط التمويلية والإعلامية لمن يقودون حملات التحريض وفضح أهدافهم الحقيقية.
تقويض "منطق الركوب" يستلزم شفافية إعلامية وقانونية وسياسية، وليس مزيدًا من السجالات التي تمنح المنبّهين من الخارج ما يريدون: ذريعة للتدخل والإساءة.
المغرب اليوم أمام مفترق طرق: إصلاح حقيقي يجيب على مطالب الشباب ويعالج أعطاب الخدمات العامة، أو الانزلاق إلى سيناريوهات تلهث خلفها أصوات خارجية تُضعف مناعة الدولة والمجتمع. المطلوب هو تعزيز المساحات الوطنية للحوار، حماية السلم الاجتماعي، وإدانة كل من يحاول ركوب مطالب الناس لأهداف سياسية ضيقة.
وفي الوقت نفسه، على الفاعلين الحقوقيين والإعلاميين والشباب ذاته أن يميزوا بين المطالب المشروعة ومن يسعى لتسليحها بالكلام والمال من خارج الحدود. إغلاق أبواب التأجيج لا يكون بالقمع وحده، بل بالاستجابة الحقيقية والشفافية والقدرة على استعادة الثقة بين المواطن والمؤسسة.