د. صادق القاضي

د. صادق القاضي

تابعنى على

أدونيس وخصومه. في مواسم جوائز نوبل.!

Saturday 09 October 2021 الساعة 08:35 am

"أدونيس" في الشعر العربي بمثابة "ستيفن هوكنج" في الفيزياء. كلٌ منهما حالة عبقرية فذة، في مجاله. ورقم نوعي كبير صعب، قدم الكثير وأثر بعمق، وحظي بأهمية عالية، واهتمام واسع، وتقدير رفيع، في الدوائر والأوساط المعنية على المستوى الإقليمي والدولي.

وفيما يتعلق بالجوائز التقديرية الرفيعة، من أهم الجوائز العربية والعالمية التي حاز عليها أدونيس:

- جائزة الشعر السوري اللبناني. منتدى الشعر الدولي في بيتسبورغ، الولايات المتحدة 1971.

- جائزة جان مارليو للآداب الأجنبية. فرنسا 1993.

- جائزة فيرونيا سيتا دي فيامو روما. إيطاليا 1994.

- جائزة ناظم حكمت. إسطنبول 1995.

- جائزة البحر المتوسط للأدب الأجنبي. باريس، فرنسا.

- جائزة المنتدى الثقافي اللبناني. باريس، فرنسا 1997.

- جائزة الإكليل الذهبي للشعر. مقدونيا 1998.

- جائزة نونينو للشعر. إيطاليا 1998.

- جائزة ليريسي بيا. إيطاليا 2000.

- جائزة غوته (فرانكفورت) (2011).

لـ"ستيفن هوكنج" قائمة جوائز رفيعة ممثالة، وبالنسبة لهما ولمريديهما. هذه الجوائز وغيرها كافية للتعبير الرمزي عن التقدير العام، ففي الأخير لا أهمية لها بالنسبة للمؤرخ الأدبي الذي يعرف أن قيمة البطل تكمن في ما قدمه للحياة.. لا في ما أخذه من العالم.

لكن. من وجهة نظر أخرى بالغة الضيق والضحالة، وتنحصر في العالم العربي برأي بعضهم في أدونيس. هذه الجوائز غير كافية. كان لا بد لأدونيس أن يحصل على جائزة نوبل في الآداب. لكي يعترفوا بعبقريته، لأن عدم حصوله على هذه الجائزة شهادة ضده وضد أدبه.!

أولاً: هذه الجائزة ليست كل شيء، كما أن القائمين عليها يعبرون في أحسن الأحوال عن معاييرهم النسبية.

ثانياً: عدد كبير من أنبغ العقول في العالم، في مختلف المجالات. لم يحصلوا على هذه الجائزة التي منحت لعقول ومواهب أقل نبوغا، وأحياناً بلا نبوغ. ولا مشكلة بشأنهم.

ثالثاً: لا قيمة في قضية كهذه لرأي هؤلاء الذين هم في الأغلب غير هواة ولا متخصصين، ولا علاقة لهم بالأدب والنقد. 

أغلب هؤلاء لا يعرفون من هو أدونيس، ولم يقرأوا له حرفاً، لكنهم سمعوا عنه: إما أنه شيطان علماني ضد الإسلام، أو أنه كاتب علوي شيعي ضد السنة، أو أنه وقف مع بشار الأسد ضد الثورات العظيمة لـ"الربيع العربي"!

وهؤلاء هم الذين ينبرون في كل موسم سنوي لتوزيع جوائز نوبل، لطرح "وجهات نظرهم" الموجهة. بطريقتهم المبتذلة، يصل الأمر أحيانا حد الشماتة والسخرية والتهكم، وتصوير أدونيس كما لو كان مدعياً متافتا متلهفا للحصول على جائزة لا يستحقها.!

هل أُبتُلي الأديب الروسي العالمي "تولستوي" بخصوم صغار حمقى مثل هؤلاء يعيرونه بعدم الحصول على جائزة نوبل.؟!

لا أعتقد. الشعب الروسي، شعب حديث، يعرف رأسه من رجليه، ويمثل تولستوي، بالنسبة له، ثروة قومية، ومصدرا للفخر والتباهي القومي، وهكذا ينبغي أن يكون أدونيس في العالم العربي.

وفي الواقع. عدم حصول صاحب "التحولات والهجرة في أقاليم النهار والليل" على جائزة نوبل، يمثل خسارة كبيرة لهذه الجائزة، وفضيحة إضافية لسجل الفضائح المماثلة للمؤسسات السويدية والنرويجية المعنية بمنح هذه الجائزة.!

بمعنى أن المشكلة في هذه النقطة. تتعلق بجائزة نوبل، لا بالمستحقين لها، وهي وجهة نظر العلماء والأدباء والمتعلمين والمثقفين في العالم كله. باستثناء "هؤلاء" الذين يرون -لأسباب سياسية وأيديولوحية- في عدم حصول أدونيس على الجائزة مشكلة تتعلق به.!

في كل حال. الأديب والشاعر والناقد والمفكر والمبدع الحداثي السوري العربي الكبير "علي أحمد سعيد" "أدونيس". شخص مختلف تماما عن هذا الـ"أدونيس" الذي يتصوره خصومه ويتحدثون عنه، حتى فيما يتعلق بالأمور الشخصية والسياسية والأيديولوجية.

من أول حرف إلى آخر نقطة في شعر ونثر وكتابة أدونيس.. هناك انحياز مطلق لقيم الحرية والحق والعدل والجمال.. وضد ظواهر ومظاهر الاستبداد والقهر والاستلاب والقبح والتخلف.. من أي نوع.

تجلى هذا بوضوح صارخ في "أول الجسد آخر البحر"، و"فهرس لأعمال الريح، و"ورّاق يبيع كتب النجوم"، و"النص القرآني وآفاق الكتابة" و"صدمة الحداثة وسلطة الموروث الديني". وغيرها من الأعمال العظيمة لأدونيس.

نتحدث هنا عن "مهيار" رمز المعارضة. الثائر الأعزل الحالم بالحرية، في مواجهة "تيمور" رمز الطغيان والقمع والديكتاتورية في كل زمان ومكان. كما في أغاني"مهيار الدمشقي".

مشكلة بعضهم مع أدونيس أنهم يتعاملون معه بمعايير أيديولوجية، ويحاكمونه على مواقف سياسية افتراضية، لم تحدث، لكن حتى لو افترضنا جدلاً أنها حدثت. فهي في صالحه في حال الموازنة في الأزمة السورية بين الوقوف مع بشار الأسد أو الوقوف مع جيش النصرة وداعش.!

قال أدونيس إنه لن يقف مع ثورة تخرج من المساجد، أي أنه لن يقف مع الكهنوت الذي هو أسوأ في كل حال من طغيان "تيمور"، وهذا هو موقفه المبدئي الذي أعلنه من أول ديوان شعري صدر له.

وطوال الأحداث في سوريا. لم يقف أدونيس الإنسان والمفكر والسياسي مع أي طرف، أو بالأصح كان دائماً ضد الاستبداد، وموقفه السياسي عموماً شيء يخصه ولا علاقة له بمكانته الشعرية والنقدية.

النص الأدبي كائن حر مستقل بذاته، يستمد قيمته الفنية من حيثياته الداخلية، ومن السماجة تقييمه، وبالتالي تقييم المؤلف، بناءً على معايير من خارجه، خاصةً تلك التي تتعلق بخصوصيات المؤلف الشخصية.

كان أجدادنا أكثر نضجاً فيما يتعلق بهذه النقطة، بإبعاد النقد عن أي معايير لا تنتمي للفن والإبداع. كانت درجة الشاعر ومكانته الإبداعية تتحدد بناء على نصوصه بغض النظر عن أي اعتبارات خارجية دينية أو طائفية أو سياسية أو اجتماعية.. أو شخصية من أي نوع.

 كان أبو عمرو ابن العلاء وهو من القراء السبعة، لا يقدم على شعراء الجاهلية "الوثنية" أحداً، وأجمع نقاد التراث العربي على أن بشار بن برد، رغم زندقته، رائد الحداثة الشعرية العربية القديمة، ولا شك أن مكانة أدونيس لا تقل عن مكانة بشار، في الشعرية العربية المعاصرة.

يكفي صاحب كتاب "الكتاب"، و"الثابت والمتحول" أنه غير مجرى الشعر والنقد العربي بشكل نوعي عميق..إلى الأبد. ما يجعله أحد أهم أعلام الشعر والنقد العربي في كل العصور، ومن أبرز نجوم الشعر والنقد والفكر العربي في القرن العشرين.